السؤال
حادثة وقعت لي، كنا جلوسا في حلقة من 6 أفراد في المسجد، فأخذ أحدنا يذكر أخا لنا في المسجد وهو غائب ويقول فيه إنه درّسه وهو سبب في تركه للدراسة، وأنهم كانو يلقبون هذا الأستاذ بـ "الياباني" فنهيته عن الغيبة، وطلبت منه الاستغفار، فلامني أحد الجالسين، وقال لي النصيحة في الملأ فضيحة، وأن لا أكون فظا، فأينا مخطئ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن التناصح بين المسلمين، وتآمرهم بالمعروف وتناهيهم عن المنكر من آكد أمور الشرع، وهي التي يسلم بها الناس من الخسران في الدارين، ويفوزون بمحبة الله تعالى، قال الله تعالى: وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {العصر:1-2-3}، وفي الحديث القدسي: حقت محبتي على المتحابين في، وحقت محبتي على المتناصحين في. رواه ابن حبان وصححه الألباني.
ويتعين أن يكون ذلك برفق وحكمة، وأن ينوي منكر الغيبة نصح أخيه والرد عن عرض الشخص الذي اغتيب ونصره، ففي الحديث: من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة. رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني. وفي الحديث: ما من امرى يخذل امرءاً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته. رواه أبو داود وحسنه الألباني.
ولو أن المنكر تيسر له قطع كلام المغتاب برفق، والرد عن عرض أخيه بما لا يجرح شعور الشخص الذي اغتابه، ثم يخلو به ويحذره من الغيبة برفق وحكمه لكان ذلك أولى، ولكنه لو لم يتيسر ذلك فلا بد من إنكار للمنكر ونصر للمظلوم عملاً بما سبق في الأحاديث.
وينبغي للإخوة إذا اجتمعوا بالمسجد أن يحرصوا على أن توظف الأوقات في تدارس علم أو تواص بالحق والصبر وتناصح، فقد رغب الشارع في ذلك كما في الحديث: وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده. رواه مسلم. وقد كان بعض السلف الصالح إذا التقوا تناصحوا فقالوا لبعضهم: تعالوا نؤمن أو اجلس بنا نؤمن ساعة... وما أشبه ذلك، قال البخاري: وقال معاذ: اجلس بنا نؤمن ساعة.
وفي المسند عن أنس قال: كان عبد الله بن رواحة إذا لقي الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تعالى نؤمن بربنا ساعة. فقال: ذات يوم لرجل فغضب الرجل، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ألا ترى إلى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يرحم الله ابن رواحة إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة. والحديث حسن إسناده الهيثمي والعجلوني. وعن ثابت البناني عن أبي مدينة الدارمي قال: كان الرجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر والعصر إن الإنسان لفي خسر. رواه الطبراني في الأوسط وصححه الألباني.
وقد رهب الشارع من إضاعة الوقت في الأحاديث الفارغة التي لا تفيد، كما في الحديث: إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال. رواه البخاري ومسلم. وحذر من الغيبة تحذيراً شديداً فلا يسوغ لأهل المسجد أن تكون فاكهة مجالسهم أكل لحوم إخوانهم، لقوله سبحانه: وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ {12}، ولما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أتدرون ما الغيبة؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: يا رسول الله إن كان في أخي ما أقول، قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما عرج به مر بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم فقال: يا جبريل من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم. أخرجه أحمد وأبو داود، وخرج أبو داود بإسناد حسن عن أبي هريرة مرفوعاً: من الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق.
والله أعلم.