الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعـد:
فهنيئا لك بالمواظبة على الاستغفار والأذكار والصلوات والعبادات، ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشفيك ويعافيك، واعلمي ـ أختي السائلة ـ أن أجرك عند الله على قدر نصبك، فاصبري واحتسبي ولا تيأسي من روح الله، فإن الله تعالى ما أنزل داء إلا أنزل له دواء، كما في الحديث الذي رواه مسلم عن جابر ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل.
وأبشري بالخير كله إن أنت رضيت بقضاء الله على كل حال، وأبصري الرحمة من خلال البلاء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه، وحسنه الألباني.
وقد سبق ذكر بعض البشارات لأهل البلاء والمصائب، وبيان الأمور المعينة على تجاوز المصائب في الفتويين رقم: 18103 ورقم: 5249
واعلمي يقينا أنه لا علاج للوسواس بعد عون الله تعالى مثل الإعراض عنه تماما، وعدم الالتفات إليه مهما كان موضوعه ونوعه، ويتم ذلك بملء أوقات الفراغ بالتعلم والأعمال الصالحة والخدمة لأهلك وملازمة أهل الخير ومجالستهم، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر، أو غيره، فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة، ولا يضجر، فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان، إن كيد الشطان كان ضعيفا، وكلما أراد العبد توجها إلى الله تعالى بقلبه جاء من الوساوس أمور أخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد أن يسير إلى الله تعالى أراد قطع الطريق عليه، ولهذا قيل لبعض السلف: إن اليهود والنصارى يقولون: لا نوسوس، فقال: صدقوا، وما يصنع الشيطان بالبيت الخرب. اهـ.
وقد سئل ابن حجر الهيتمي ـ رحمه الله ـ عن داء الوسوسة هل له دواء؟ فأجاب: له دواء نافع وهو الإعراض عنها جملة كافية، وإن كان في النفس من التردد ما كان، فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرب ذلك الموفقون، وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها وإلى شيطانها، جاء في الصحيحين ما يؤيد ما ذكرته وهو أن من ابتلي بالوسوسة فليستعذ بالله ولينته.
فتأملي هذا الدواء النافع الذي علَّمه من لا ينطق عن الهوى لأمته، واعلمي أن من حرمه حرم الخير كله، لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقا، واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال والحيرة ونكد العيش وظلمة النفس وضجرها إلى أن يخرجه من الإسلام وهو لا يشعر: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا { فاطر:6}.
ولا شك أن من استحضر طرائق رسل الله سيما نبينا صلى الله عليه وسلم وجد طريقته وشريعته سهلة واضحة بيضاء بينة، سهلة لا حرج فيها: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج: 78 }.
ومن تأمل ذلك وآمن به حق إيمانه ذهب عنه داء الوسوسة والإصغاء إلى شيطانها، وذكر العز بن عبد السلام وغيره نحو ما قدمته فقالوا: داء الوسوسة أن يعتقد أن ذلك خاطر شيطاني، وأن إبليس هو الذي أورده عليه وأن يقاتله فيكون له ثواب المجاهد، لأنه يحارب عدو الله، فإذا استشعر ذلك فرَّ عنه، وأنه مما ابتلي به نوع الإنسان من أول الزمان وسلطه الله عليه محنة له ليحق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره الكافرون.
وبه تعلمين صحة ما قدمته أن الوسوسة لا تسلط إلا على من استحكم عليه الجهل والخبل وصار لا تمييز له، وأما من كان على حقيقة العلم والعقل فإنه لا يخرج عن الاتباع ولا يميل إلى الابتداع، ونقل النووي عن بعض العلماء: أنه يستحب لمن بلي بالوسواس في الوضوء، أو الصلاة أن يقول: لا إله إلا الله، فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس، أي تأخر وبعد، ولا إله إلا الله رأس الذكر. انتهى.
وننصحك بالبعد عن المشعوذين والدجالين وأن ترقي نفسك بنفسك، ويمكنك عرض حالتك على بعض أهل العلم والدين ممن لهم دراية بالرقية الشرعية, وأهم ما يستعان به كثرة ذكر الله، وواظبي على الدعاء بدعاء الكرب المذكور في الحديث: دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين, وأصلح لي شأني كله, لا إله إلا أنت. رواه أبو داود وحسنه الألباني.
وأكثري من الدعاء بدعاء يونس عليه السلام وبالاسم الأعظم.
وأما الورقة التي ذكرت: فهي تدل على أن الرجل المذكور مشعوذ فلا تطيعيه في شأنها، فالرقية الشرعية قد ذكر أهل العلم أنها لا تنفع بنفسها، ومن باب أحرى أن لا ينفع ما لا يعقل معناه من رقى المشعوذين التي صرح أهل العلم بمنعها وعللوا ذلك بالخشية من أن يكون فيه كفر، أو ما هو محرم شرعاً، قال الشيخ حافظ الحكمي في سلم الوصول في بيان ما تشرع الرقية به وما تمنع:
ثم الرقى من حمة، أو عين * فإن تكن من خالص الوحيين
فذاك من هدي النبي وشرعته * وذلك لا اختلاف في سنيته
أما الرقى المجهولة المعاني* فذاك وسواس من الشيطان
وفيه قد جاء الحديث أنه * شرك بلا مرية فاحذرنه
إذ كل من يقوله لا يدري * لعله يكون محض الكفر
أو هو من سحر اليهود مقتبس * على العوام لبسوه فالتبس.
وقال في شرح هذه الأبيات: أما الرقى التي ليست بعربية الألفاظ ولا مفهومة المعاني ولا مشهورة ولا مأثورة في الشرع البتة، فليست من الله في شيء، ولا من الكتاب والسنة في ظل ولا فيء، بل هي وسواس من الشيطان أوحاها إلى أوليائه، كما قال تعالى: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ـ وعليه يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود: إن الرقى والتمائم والتؤلة شرك ـ وذلك لأن المتكلم به لا يدري أهو من أسماء الله تعالى، أو من أسماء الملائكة، أو من أسماء الشياطين؟ ولا يدري هل فيه كفر، أو إيمان؟ وهل هو حق، أو باطل؟ أو فيه نفع، أو ضر، أو رقية، أو سحر. انتهى.
وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 13199, 112540،68315، 27789، 3352.
والله أعلم.