السؤال
نعيش بدول شمال أوربا، ورمضان قادم، وحسب التقويم فإن ساعات الصيام ستكون 18 ساعة، أو أكثر، وفيه مشقة كبيرة، ولا يمكن أن نأمر أولادنا بالصيام؛ لأن الوقت الطويل فيه فتنة وإجهاد: أفتان أنت يامعاذ ـ والشفق الأبيض لايغيب بين العشاء والفجر ـ لا يتبين الخيط الأبيض من الأسود ـ والصيام الطويل يجعلنا عاجزين عن تأدية أعمالنا بصورة صحيحة، والإسلام يصلح في كل زمان ومكان، أنقذوا إخوتكم من هذه الفتنة. فالموضوع يحتاج إلى دراسة على أرض الواقع، ويحتاج إلى معايشة في نفس المكان، والصيام من الفرائض ولا نريد أن نفرط، ولا يمكن أن تكون الصلوات ـ المغرب والعشاء والفجر ـ وإفطار وسحور وتراويح في 6 ساعات وصلاتين في 18 ساعة، أو أكثر ـ أين: اقدروا له قدره؟ فلم يعتمد الرسول صلى الله عليه وسلم على وجود شروق وغروب للصلاة في أول يوم من ظهور الدجال ـ كما يصر البعض عند الكلام عن وضعنا ـ إخوتي في وقت الشتاء نصلي الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء في 8 ساعات وبقيت 16 ساعة ليس فيها من شيء، أمعقول هذا الشيء؟ الموضوع يحتاج إلى فتوى جريئة ومعايشة في نفس المكان حتى يعرف الحل والمقصود، خلونا نصوم على مكة مثلا، أو مدينة الرسول ـ كما صام الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم ـ والقضية مستعجلة، أفيدونا رحمكم الله، ونصف العلم: لا أعلم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:
فاعلم أولا ـ غفر الله لك ـ أن صعوبة بعض التكاليف لا يسوغ الفتيا بإسقاطها، بل من حكمة الشارع أن تكون بعض التكاليف شاقة ليميز الله بذلك الخبيث من الطيب، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها، فمن كان له عذر يبيح الفطر فله أن يترخص بالفطر، وأما من لا عذر له فعليه أن يوطن نفسه على تنفيذ حكم الله واتباع شرعه، وإن كان في ذلك شيء من المشقة والتعب، وليعلم أن الأجر على قدر المشقة والنصب، والله تعالى لا يضيع أجر المحسنين.
واعلم كذلك أن الجرأة في الفتوى لا تحمد، وإنما يحمد فيها التثبت والتبصر واتباع البينات والحكم بما حكمت به أدلة الشرع، فلا يرخص المفتي لموافقة بعض الأهواء دون أن يقوم دليل الترخيص، ولا يشدد حيث كان للرخصة مساغ، والموفق من وفقه الله.
واعلم كذلك أن حديث الدجال يخالف ما ترمي إليه ولا يوافقه؛ لأن اليوم الذي كسنة طالت مدته عن أربع وعشرين ساعة، فلم يكن بد من أن يقدر للصلاة قدرها، وأما اليوم الذي مدته أربع وعشرون ساعة، وفيه ليل ونهار متمايزان فليس من هذا الباب، ونحن قد أسلفنا القول وذكرنا كلام أهل العلم في حكم الصلاة والصيام في البلاد التي يطول نهارها ويقصر ليلها، أو العكس، وأن الواجب عليهم هو العمل بالأوقات التي نصبها الشرع للصيام، وإن طالت مدة الصوم، وليس في ذلك حرج على المكلفين بحمد الله، إذ إن من له عذر في الفطر فالفطر سائغ له، ولا يؤمر أن يصوم إن أدى به ذلك إلى الهلاك، وكذلك الصلاة فإن الواجب أداء كل صلاة في وقتها ما دام ذلك ممكنا، ولوطالت مدة ما بين بعض الصلوات، ومن العلماء من يقول بخلاف هذا، ولكن هذا هو المرجح والمفتى به عندنا، وانظر تفصيل ما ذكرناه في الفتويين رقم: 130383، ورقم: 130579، فانظرهما لزاما ففيهما بيان مسألتك على وجه التفصيل وإزالة الإشكال والشبهة فيها بإذن الله.
والله أعلم.