السؤال
سؤالي قد يكون عاما على البلدان العربية، أو على البلد الذي أعيش فيه وهو الأردن، حيث لاحظت منذ أن وعيت وأصبحت أفرق بين معاملات الناس وبين الصدق والكذب فئة كبيرة للأسف، وهي فئة المتدينين والذين يطلقون اللحى، وللأسف ينقلون صورة سيئة عن ديننا الحنيف، وهذه الظاهرة واسعة عندنا بالأردن بشكل كبير، حيث عندهم عملية الكذب عملية طبيعية وجزء من حياتهم اليومية والضحك على الناس، وأخذ مبالغ منهم زورا وسرقة أمر طبيعي عندهم، فما هو الحل مع هذه الفئة من أمة الإسلام؟ وللأسف ظهرت فئة أخرى مرادفة للفئة الأولى حيث عندهم الالتزام بالعمل والمواعيد، والصدق عندهم شيء مهم ولكن للأسف ليسوا على مستوى جيد من التدين، وأنا أعرف أشخاصا من كلا الطائفتين معرفة شخصية ومعرفة عن قرب، فما هو الحل؟ الرجاء أن تفيدونا في هذا الموضوع الذي يعتبر مهما، وخاصة عندنا في الأردن مشكلة اجتماعية كبيرة، لو أردت أن أتكلم عن بعض المشاكل التي حدثت معي مع أشخاص بالفئة الأولى لاحتجت إلى صفحات متعددة لأحصيها، والله المستعان أصبحت نظرة المجتمع إلى الفئة الأولى نظرة ريبة وخوف وحذر من التعامل معهم، وأقول ذلك من واقع الحال الذي أعيشه.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:
فلا شك أن من يتزى بزي الملتزمين بالدين المتمسكين بشرائعه وشعائره، ثم تظهر في معاملاته وأخلاقه مثل هذه المساوئ والرزايا ـ أنه يكون بذلك ممن يصد عن سبيل الله بأعماله وسلوكه ـ والعياذ بالله ـ وقد قال تعالى: وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ { النحل: 94}.
قال ابن كثير: حذر تعالى عباده عن اتخاذ الأيمان دخلا أي خديعة ومكرا، لئلا تزل قدم بعد ثبوتها، مثل لمن كان على الاستقامة فحاد عنها، وزل عن طريق الهدى بسبب الأيمان الحانثة المشتملة على الصد عن سبيل الله لأن الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غدر به لم يبق له وثوق بالدين، فانصد بسببه عن الدخول في الإسلام، ولهذا قال: وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم. اهـ.
وقال سيد قطب في ظلال القرآن: اتخاذ الأيمان غشاً وخداعاً يزعزع العقيدة في الضمير، ويشوه صورتها في ضمائر الآخرين، فالذي يقسم وهو يعلم أنه خادع في قسمه، لا يمكن أن تثبت له عقيدة، ولا أن تثبت له قدم على صراطها، وهو في الوقت ذاته يشوه صورة العقيدة عند من يقسم لهم ثم ينكث، ويعلمون أن أقسامه كانت للغش والدخل ومن ثم يصدهم عن سبيل الله بهذا المثل السيئ الذي يضربه للمؤمنين بالله، ولقد دخلت في الإسلام جماعات وشعوب بسبب ما رأوا من وفاء المسلمين بعهدهم، ومن صدقهم في وعدهم، ومن إخلاصهم في أيمانهم، ومن نظافتهم في معاملاتهم، فكان الكسب أضخم بكثير من الخسارة الوقتية الظاهرية التي نشأت عن تمسكهم بعهودهم. اهـ.
وجدير بكل من ينصح لهذه الأمة ويريدها لها الخير والخيرية، أن يسعى لعلاج مثل هذه الظاهرة السيئة بالدعوة إلى مكارم الأخلاق بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، والمناصحة المستمرة خاصة مع هذه الفئة التي تسيء إلى الإسلام وشريعته بأخلاقها المذمومة، والتي تناقض بها مقصدا أصيلا من البعثة النبوية، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق. رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني.
لذلك كان صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يرفع شأن الخلق الفاضل وينوه بالسلوك القويم، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْمُسْلِمَ الْمُسَدِّدَ لَيُدْرِكُ دَرَجَةَ الصَّوَّامِ الْقَوَّامِ بِآيَاتِ اللَّهِ بِحُسْنِ خُلُقِهِ وَكَرَمِ ضَرِيبَتِهِ. رواه أحمد، وصححه الألباني.
وقوله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ. رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني.
وقوله صلى الله عليه وسلم: مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ. رواه الترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ ـ وأبو داود وأحمد، وصححه الألباني.
وقوله صلى الله عليه وسلم: أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ. رواه أبو داود، وحسنه الألباني.
وقوله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا. رواه الترمذي وحسنه، وصححه الألباني.
ونسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا.
والله أعلم.