السؤال
أنا مضطرة لشيء أريده، ولن أحصل عليه إلا إذا قدره الله لي، وأدعو الله به منذ أشهر، لكن لم أحصل عليه بعد، وأنا في ضيق، وأريد أن أفعل المستحيل حتى يستجيب الله لي، أقوم الليل منذ سنين راجية أجر الآخرة، لكنني قررت أن أقوم الليل أسبوعا كاملا فقط من أجل أن يرزقني الله ما أسأله، وأريد بهذا القيام هذا الأمر الدنيوي، فأنا أريده بشدة، فهل يجوز لي فعل ذلك؟ وهل هو خير لي؟ مع العلم أنني سأعود لقيام الليل من أجل نيل الحسنات للآخرة؟ والأمر الذي أريده أيضا يقربني إلى الله؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:
فلا حرج على العبد أن يتعرض لفضل الله ورحمته، بتحري الأحوال الفاضلة وأوقات الإجابة، والإلحاح على الله تعالى فيها بالدعاء بما ينفعه في دينه ودنياه، ومن هذه الأحوال والأوقات حال الصلاة في جوف الليل الآخر، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له. متفق عليه.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة. رواه مسلم.
وعن أبي أمامة قال: قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات. رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن.
وقد روي عن أبي ذر وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: جوف الليل الآخر الدعاء فيه أفضل أو أرجى، أو نحو هذا. اهـ. وصححه الألباني.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رجلان من أمتي يقوم أحدهما الليل يعالج نفسه إلى الطهور وعليه عقده فيتوضأ، فإذا وضأ يديه انحلت عقدة، وإذا وضأ وجهه انحلت عقدة، وإذا مسح برأسه انحلت عقدة، وإذا وضأ رجليه انحلت عقدة، فيقول الله عز وجل للذين وراء الحجاب: انظروا إلى عبدي هذا، يعالج نفسه يسألني، ما سألني عبدي فهو له. رواه أحمد، وحسنه الألباني.
ولا شك أن الأفضل والأنفع للعبد أن يكون مراده من قيامه أن ينال رضا الله تعالى ويفوز بما عنده في الدار الآخرة، كما قال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ {الزمر: 9}.
فإن جمع إلى ذلك نية قضاء حاجة وتيسير أمر من أمور الدنيا، فلا حرج عليه، خاصة إذا كان هذا الأمر مما يقرب إلى الله تعالى كما تقول السائلة، أما أن يمحض العبد نيته في هذا الأمر الدنيوي والحاجة العاجلة فهذا نقص مهين وخلق ذميم، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فقال: عجب ربنا عز وجل من رجلين رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين أهله وحبه إلى صلاته، فيقول ربنا: أيا ملائكتي انظروا إلى عبدي ثار من فراشه ووطائه ومن بين حيه وأهله إلى صلاته، رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي. رواه أحمد، وجوده العراقي وحسنه الألباني.
قال المناوي في فيض القدير: رغبة فيما عندي من الثواب وشفقة أي خوفا مما عندي من العقاب. اهـ.
وقال القاري في المرقاة: رغبة أي: لا رياء وسمعة، بل ميلا فيما عندي أي: من الجنة والثواب، أو من الرضا واللقاء يوم المآب، وشفقا أي: خوفا مما عندي من الجحيم وأنواع العذاب، أو من السخط والحجاب الذي هو أشد من العقاب، وفي هذه الأحاديث إشارة إلى أن العمل لله مع رجاء الثواب الذي رتبه على ذلك العمل، وطلب حصوله لا ينافي الإخلاص والكمال، وإن نافى الأكمل، وهو العمل ابتغاء وجه الله تعالى، لا لغرض ولا لعوض وأما قول الفخر الرازي عن المتكلمين: إن من عبد لأجل الثواب، أو لخوف العقاب لم تصح عبادته، فيتعين تأويله بأنه محَّض عمله لذلك، بحيث لو خلا عن ذلك لانتفت عبادته، وحينئذ لا شك أنه لا تصح عبادته، بل قيل: إنه يكفر، لأن الله تعالى يستحق العبادة لذاته. اهـ.
والمقصود أن بقاء السائلة على نيتها الأولى من رجاء أجر الآخرة، خير وأنفع لها مما تسأل عنه، ثم إن هي استمرت على ذلك فلا حرج عليها أن تستغل فرصة الصلاة في هذا الوقت الفاضل لتلح على الله في الدعاء بما ينفعها في أمر دينها ودنياها، فإن هي فعلت ذلك فلتبشر بالخير ولا تعجل، فإن الله تعالى أعلم بما يصلح العبد وهو أرحم به من نفسه ومن أمه التي ولدته، فاختياره لعبده خير من اختياره لنفسه، وراجعي للفائدة الفتويين رقم: 123662111052.
والله أعلم.