السؤال
سؤالي عن الكيفية أو الطريقة الصحيحة لتحصين الإنسان نفسه من العين والجن، وهذا السؤال أتعبني كثيرا التفكير فيه والتكلف في الطريقة مما أخذ مني الوقت الكثير حتى أنتهي منه، فأصبحت لا أصلي صلاة الفجر ولا صلاة المغرب إلا في البيت، بل أتحاشى أن أكون خارج البيت في هذه الأوقات، ولا أعلم هل هذه الطريقة صحيحة أم لا، لأن كل من أسأله تكون إجابته وطريقته تختلف عن الآخر، فأصبحت في حيرة من أمري، بل في شك ووسواس، لأن في زماننا وفي وقتنا الحاضر كثر الحسد والعين والسحر ـ أعاذنا الله منهما وحفظنا والمسلمين من كل شر ـ أولا النية بنية أذكار الصباح أو المساء والتحصين والحفظ والتوكل على الله سبحانه وتعالى، فهل إذا قلت أذكار الصباح بعد صلاة الفجر أو المساء بعد صلاة المغرب تعتبر تحصينا لي من بعد الله سبحانه وتعالى فقط بمجرد القول، لأن في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول من قال كذا وكذا فهل هذا يدل على القول فقط، وأنه يكفي مثال قراءة الإخلاص والمعوذتين ثلاثاً كل مساء وكل صباح، لما في الحديث: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثاً تكفيك كل شيء ـ رواه أحمد، أو أنه لابد بعد الانتهاء من القول أن ترفع يدك وتنفث في كفيك وتمسح بها كامل جسمك أو أنك بعد ما تقل الأذكار الصباح أو المساء وتنتهي منها ترفع يدك وتفتح كفيك وتقرأ آية الكرسي وتنفث وتقرأ الإخلاص ثلاث مرات وتنفث وتقرأ الفلق ثلاث مرات وتنفث وتقرأ الناس ثلاث مرات وتنفث وبعد ذلك تمسح على جميع جسمك، وبعد ذلك تقول بعض الأدعية والتعويذات النبوية مثل أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، وتنفث وتمسح على جسمك، وكذلك سورة الفاتحة وآخر آيتين من سورة البقرة إلخ، وهكذا فأي هذه الطرق هي الأصح؟ وهل القول فقط يعتبر تحصينا أو النفث والمسح على الجسم؟ لأن الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرد النفث والمسح على الجسد إلا عند النوم فقط ويمسح ما استطاع من جسمه الطاهر الشريف، وإذا كان النفث والمسح هو الصحيح، فهل لابد أن يمسح الشخص كامل جسده بما فيها العورتان وأطراف الأرجل، لأن البعض يقول إنها مداخل الجن أم هذا تكلف زائد؟ والمسح يكون ما استطاع به الشخص أو ما تصله يده من غير تكلف أفيدونا وفرجوا كربنا فرج الله عنكم كرب يوم القيامة وجعلها الله في موازين أعمالكم ولا تنسونا من دعواتكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك العافية، ونوصيك بالاستعانة بالله وتحقيق التوكل عليه فهو خير حافظ وهو أرحم الراحمين، قال جل وعلا: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ {الزمر:36}. وقال جل شأنه: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ { الأنعام: 17 ـ ويونس:107}. وقال عز من قائل: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه {الطلاق:3}.
ونحب أن ننبهك إلى بعض النصائح والإرشادات التي ذكرها العلماء لدفع العين والسحر ومس الجن وهي:
أولاً: الحذر من الوقوع في الوساوس والأوهام، فالوساوس والأوهام أعراض لأمراض خطيرة: من اختلال التوحيد، وضعف التوكل، وافتقاد العلم النافع، ولهذا قال ابن القيم ـ رحمه الله: والمسحور هو الذي يعين على نفسه، فإنا نجد قلبه متعلقاً بشيء، كثير الالتفات إليه، فيتسلط على قلبه بما فيه من الميل والالتفات.
ثانياً: استعمال التعوذات والرقى الشرعية، يقول ابن القيم ـ رحمه الله: فمن التعوذات والرقى: الإكثار من قراءة المعوذتين وفاتحة الكتاب وآية الكرسي، ومنها التعوذات النبوية نحو: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ونحو: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة، ومن جرّب هذه الدعوات والعوذ عرف مقدار منفعتها وشدة الحاجة إليها.
ولكن لا بد من التنبه إلى أن هذه التعوذات والرقى سلاح، والسلاح ليس بنفسه فقط، إنما بضاربه أيضاً، ولهذا لا بد من التعوذ الصحيح الذي تواطأ عليه القلب واللسان مع صدق التوجه إلى الله تعالى ولا يكفي مجرد القول كما ذكرت.
ثالثا: الالتزام بالطاعات وأهمها الصلاة في الجماعة ولا سيما الفجر ففيها حفظ من الشر وصاحبها في ذمة الله، ومن الخطأ البين ترك الحضور لها في المسجد، ففي الحديث: من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله. رواه الأصبهاني في مستخرجه على صحيح مسلم وغيره، وصححه الألباني.
رابعا: عليك بالمواظبة على الأذكار المقيدة والمطلقة، والإكثار من تلاوة القرآن ولاسيما سورة البقرة والإخلاص والمعوذتين، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة. رواه مسلم.
وفي الحديث: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثا تكفيك من كل شيء. رواه النسائي وصححه الألباني.
وأما عن النفث: فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ الإخلاص والمعوذتين عند نومه ثم ينفث في يديه ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات، كما في البخاري.
وكان ينفث في الرقية فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات، ومسح عنه بيده، فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث على نفسه بالمعوذات التي كان ينفث، وأمسح بيد النبي صلى الله عليه وسلم عنه.
وأما غير ذلك فلم يثبت فيه النفث، كما قدمنا في الفتوى رقم: 114278.
والله أعلم.