السؤال
أنا مهندس معماري وقد حصلت على مشروع وهو تصميم مطعم سياحي يقدم المشروبات الروحية لمن يرغب وقد سألت أهل العلم فأجابوني أنه حرام فتركت المشروع, وكان سندهم الآية الكريمة: ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ـ وسؤالي: لماذا حرام؟ علما بأنه لا يوجد بار داخل المشروع أي أن عملية التصميم تقتصر فقط على الطاولات والكراسي والديكور الداخلي دون أي تدخل في المشروب، وإن كان هذا حراما ألا يتم قياس كثير من الأشياء على هذا الأساس؟ مثل محلات الملابس النسائية، إذ إنه من الممكن أن تشتري المرأة ملابس من أجل أن تمتع زوجها أو من أجل شخص آخر بالحرام، وما أقصده هو أنه مطعم في الأساس وليس بارا وأنا والحمدلله اعتذرت عن المشروع ولكنني غير مقتنع بما أجابوني به، إذ إن الإسلام دين يسر وليس دين عسر، مع العلم أن صاحب المشروع غير مسلم ولن أتعاون معه في هذا الإثم، فأنا مصمم فقط لا غير مع ملاحظة أن المطعم يقدم المشروب لمن يرغب ولا يوجد به بار، أتمنى منكم التفصيل في الفتوى، لأنني أرغب بالاقتناع فالله سبحانه وتعالى خلق لنا العقل لنفكر، وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يمكن استعماله في الحلال، كما يمكن استعماله في الحرام، الأصل فيه جواز عمله، ما لم يعلم أن المستخدم سيستعمله الاستعمال المحرم، فلا يجوز عمله في هذه الحالة، وقد قرر الفقهاء ـ رحمهم الله ـ حرمة تأجير حانوت لمن يبيع فيه خمراً أو يعصر خمراً، وحرمة بيع العنب لمن عُلم أو غلب على الظن أنه يتخذه خمراً، وهكذا كل ما يستعان به على المعصية، وروى ابن بطة: أن قَيِّماً لسعد بن أبي وقاص في أرض له أخبره عن عنب أنه لا يصلح زبيباً ولا يصلح أن يباع إلا لمن يعتصره ـ أي يعصره خمرا ـ فقال سعد: بئس الشيخ أنا إن بعت الخمر.
وقال ابن قدامة في المغني: وهذا الحكم في كل ما يقصد به الحرام كبيع السلاح لأهل الحرب، أو لقطاع الطريق، أو في الفتنة، وبيع الأمة للغناء أو إجارتها كذلك، أو إجارة دار لبيع الخمر فيها، أو لتتخذ كنيسة، أو بيت نار، أو أشباه ذلك فهو حرام، والعقد باطل. اهـ.
وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في إعلام الموقعين في الكلام على تحريم وسائل المعاصي وسد الذرائع إلى المحرم: قال الإمام أحمد: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السلاح في الفتنة، ولا ريب أن هذا سد لذريعة الإعانة على المعصية ويلزم من لم يسد الذرائع أن يجوز هذا البيع كما صرحوا به، ومن المعلوم أن هذا البيع يتضمن الإعانة على الإثم والعدوان، وفي معنى هذا كل بيع أو إجارة أو معاوضة تعين على معصية الله كبيع السلاح للكفار والبغاة وقطاع الطرق، وبيع الرقيق لمن يفسق به أو يؤجره لذلك، أو إجارة داره أو حانوته لمن يقيم فيها سوق المعصية، ونحو ذلك مما هو إعانة على ما يبغضه الله ويسخطه، ومن هذا عصر العنب لمن يتخذه خمرًا، وقد لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو والمعتصر معًا. انتهى.
وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: كل ما يستعمل على وجه محرم، أو يغلب على الظن ذلك، فإنه يحرم تصنيعه واستيراده وبيعه وترويجه بين المسلمين. اهـ.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: ما الحكم إذا باع الصيدلي أدوات التجميل الخاصة بالنساء، علما بأن غالبية من يستعملنها من المتبرجات الفاجرات العاصيات لله ورسوله، واللاتي يستخدمن هذه الأشياء في التزين لغير أزواجهن والعياذ بالله؟ فأجابت: إذا كان الأمر كما ذكر، فلا يجوز له البيع عليهن إذا كان يعلم حالهن، لأنه من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله تعالى عنه بقوله تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. اهـ.
وقالت في جواب سؤال آخر: لا يجوز بيعها إذا علم التاجر أن من يشتريها سيستعملها فيما حرم الله، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، أما إذا علم أن المشترية ستتزين به لزوجها أو لم يعلم شيئًا فيجوز له الاتجار فيها. اهـ.
وبناء على هذا، فقد أصبت في تركك لهذا العمل ولا يلزم لتحريمه أن يكون في تصميم المطعم بارا، بل يكفي في التحريم أن يقدم الخمر بأي طريقة، فتصميم البار إمعان في الإثم؛ وإلا فالإثم حاصل بالتقديم والبيع لما حرم الله تعالى، وتذكر قوله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ { الطلاق:2-3}.
وقوله صلى الله عليه وسلم: إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا أبدلك الله به ما هو خير لك منه. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله، فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته. رواه البزار وصححه الألباني.
والله أعلم.