السؤال
قال الله عز وجل: لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون ـ فما معنى: لا جرم؟ وما أصلها الذي اشتقت منه؟.
قال الله عز وجل: لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون ـ فما معنى: لا جرم؟ وما أصلها الذي اشتقت منه؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى: لا جرم لا بد ولا شك، قال ابن جزي في التسهيل لعلوم التنزيل: لا جرم ـ أي لا بد ولا شك، وقيل إن لا نفي لما تقدم، وجرم معناه وجب، أو حق. اهـ.
وقال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله تعالى: لا جرم ـ قال ابن عباس: يريد حقا إنهم الأخسرون، وقال الفراء: لا جرم كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بد ولا محالة فجرت على ذلك وكثر استعمالهم إياها حتى صارت بمنزلة حقا، ألا ترى أن العرب تقول: لا جرم لآتينك، لا جرم لقد أحسنت، وأصلها من جرمت أي كسبت الذنب، قال الزجاج: ومعنى لا جرم لا نفي لما ظنوا أنه ينفعهم، كأن المعنى لا ينفعهم ذلك جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون أي كسب لهم ذلك الفعل الخسران. وذكر ابن الأنباري أن لا رد على أهل الكفر فيما قدروه من اندفاع الشر عنهم في الآخرة، والمعنى لا يندفع عنهم عذابي ولا يجدون وليا يصرف عنهم نقمتي، ثم ابتدأ مستأنفا جرم، قال: وفيها قولان:
أحدهما: أنها بمعنى كسب كفرهم وما قدروا من الباطل وقوع العذاب بهم فجرم فعل ماض معناه كسب وفاعله مضمر فيه من ذكر الكفر وتقرير الباطل.
والثاني: أن معنى جرم أحق وصحح وهو فعل ماض وفاعله مضمر فيه، والمعنى أحق كفرهم وقوع العذاب والخسران بهم، قال الشاعر: ولقد طعنت أبا عيينة طعنة * جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا ـ أراد حقت الطعنة فزارة بالغضب، ومن العرب من يغير لفظ جرم مع لا خاصة فيقول بعضهم لا جرم ويقول آخرون لا جر بإسقاط الميم ويقال لا ذا جرم ولا ذا جر بغير ميم ولا إن ذا جرم ولا عن ذا جرم، ومعنى اللغات كلها حقا. اهـ.
وقال الشوكاني في فتح القدير: قوله: لا جرم ـ قال الخليل وسيبويه: لا جرم بمعنى حق فهي عندهما بمنزلة كلمة واحدة وبه قال الفراء، وروي عن الخليل والفراء أنها بمنزلة قولك لا بد ولا محالة ثم كثر استعمالها حتى صارت بمنزلة حقا، وقال الزجاج: إن جرم بمعنى كسب: أي كسب ذلك الفعل لهم الخسران وفاعل كسب مضمر وأن منصوبة بجرم، قال الأزهري: وهذا من أحسن ما نقل في هذه اللغة، وقال الكسائي: معنى لا جرم: لا صد ولا منع عن أنهم في الآخرة هم الأخسرون، وقال جماعة من النحويين: إن معنى لا جرم ولا قطع قاطع: أنهم في الآخرة هم الأخسرون ـ قالوا: والجرم القطع وقد جرم النخل واجترمه: أي قطعه، وفي هذه الآية بيان أنهم في الخسران قد بلغوا إلى حد يتقاصر عنه غيرهم ولا يبلغ إليه، وهذه الآيات مقررة لما سبق من نفي المماثلة بين من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها وبين من كان على بينة من ربه. اهـ.
وانظر تفسير ابن عطية ونظم الدرر للبقاعي وتفسيرالألوسي
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني