السؤال
أود أن أعرف: هل الزوجة والبنات يعتبرن من أولياء الدم في حال القتل العمد؟ قرأت أن الأولياء هم العصبات من الرجال فقط، فهل هذا صحيح؟ وإذا كان كذلك، فهل اعتمد الفقهاء على نص من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، أم هو اجتهاد وفق حاجات المجتمع؟
قرأت أن دية المرأة في القتل شبه العمد نصف دية الرجل، فهل هذا اجتهاد من الفقهاء وإجماع، أم أن هناك شيئا في القرآن والسنة يقول بذلك؟ نرجو منكم توضيح المسألة حتى يزول اللبس، نظرا لكثرة إثارة هذه القضايا ممن يهتمون بشؤون المرأة، ونود معرفة ما جاء في القرآن والسنة الصحيحة حولهما، وجزاكم الله كل خير على حسن استجابتكم، وبارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسألة الأولى وهي هل تكون النساء من أولياء الدم أو لا: مسألة لم يرد فيها نص من كتاب الله تعالى أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لذلك اختلف فيها أهل العلم مع اتفاقهم أن حق القصاص أو العفو ثابت للمجني عليه أوّلا بسبب الجناية عليه، ولكنهم اختلفوا في ذلك الحق هل ينتقل لجميع ورثة المقتول أو يختص به العصبات الذكور من ورثته خاصة، والراجح أن هذا الحق ينتقل إلى جميع ورثة المقتول، من الرجال والنساء والكبار والصغار بمن فيهم زوجاته وبناته، كما قال ابن قدامة في المغني: القصاص حق لجميع الورثة من ذوي الأنساب والأسباب والرجال والنساء والصغار والكبار، فمن عفا منهم صح عفوه وسقط القصاص ولم يبق لأحد إليه سبيل، هذا قول أكثر أهل العلم. اهـ
وقد بينا ذلك بتفصيل أكثر مع أقوال أهل العلم، وانظري الفتوى رقم: 128205.
وبخصوص دية المرأة: فقد بينا أنها على النصف من دية الرجل وهو ما أجمع عليه أهل العلم إلا خلافاً شاذاً لم يعتبره العلماء، قال العلامة ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في المغني: ودية الحرة المسلمة نصف دية الحر المسلم، قال ابن المنذر وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل، وحكى غيرهما عن ابن علية والأصم أنهما قالا: ديتها كدية الرجل، لقوله عليه الصلاة والسلام: وفي النفس المؤمنة مائة من الإبل، وهذا قول شاذ يخالف إجماع الصحابة وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن في كتاب عمر بن حزم: ودية المرأة على النصف من دية الرجل. اهـ
وبخصوص ورود ذلك في نص من نصوص الوحي ـ القرآن والسنة ـ قطعي الثبوت قطعي الدلالة لم نقف عليه، وقد وردت فيه بعض الأحاديث والآثار، وقد تكلم أهل العلم في سندها أو سند بعضها، ولكنهم اتفقوا على أن الإجماع منعقد عليها ولم يشذ عنه غير ابن علية والأصم ـ كما أشرنا ـ ومن المعلوم أن الإجماع هو المصدر الثالث من مصادر التشريع الإسلامي بعد الكتاب والسنة، والدليل على حجيته قول الله تعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا {النساء:115}.
وقد شذ عن هذا الإجماع أيضا بعض المعاصرين، وللمزيد من الفائدة انظري الفتويين التالية أرقامهما: 47399، 56074 .
والله أعلم.