السؤال
سؤال لم أجد له جوابًا، وأسأل الله أن أجد الجواب عندكم.
في قوله تعالى في سورة الأنعام: ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه... [الأنعام: 28]
هل يعقل إذا عاد الكافر إلى الدنيا أن يعود إلى الكفر بعدما رأى من أهوال يوم القيامة؟ هل يعقل أن يعود لما نهي عنه وقد رأى الحقيقة رأي العين؟
لم أجد إجابة شافية، رغم إني باحث في الشؤون الإسلامية.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
يقول تعالى في سورة الأنعام: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام: 27، 28].
يبين الله تعالى في هاتين الآيتين حال الخاسرين يوم القيامة عندما يحبسون على النار، حيث تكون تحتهم وهم فوقها على الصراط، أو وهم بقربها يعاينونها، فعندئذ يتمنون العودة إلى الدنيا، ولا يكذبون بآيات الله تعالى، ولكن الله تعالى أخبر أنهم في زعمهم هذا كاذبون، لأنه طلب منهم في الدنيا فلم يعملوا، بل وكذبوا الرسل والبينات لما جاءتهم.
وهذا حال المعاند المكابر، ولا غرو أن من كان هكذا في الدنيا يعود إلى ما كان عليه من باطل إن زال عنه الأمر العسير الذي ألـمّ به. قال تعالى: وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ {فاطر: 37}. وقال تعالى في سورة العنكبوت: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ {العنكبوت: 65}.
فانظر إلى هؤلاء لما عاينوا الغرق أخلصوا إلى الله الدعاء، فلما كشف الله عنهم الضر أشركوا بالله تعالى، وقال -عزَّ من قائل- في سورة يونس: وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {يونس: 12}.
والآيات في هذا المعنى كثيرة جدًا، وهي تبين حال هؤلاء إذا أصابهم الضر ونزل بهم البلاء أقسموا بالله ليكونن على الطاعة، وليفارقن من كانوا عليه من المعاصي، فلما جاءهم الرخاء والأمن عادوا لما كانوا عليه قبل ذلك.
وقد تحدث القرآن عن قوم حدث معهم مثل ذلك، وعادوا إلى ما كانوا عليه، قال تعالى في سورة الزخرف: وَقَالُوا يَاأَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ [الزخرف 49-50]، فرجعوا إلى سابق عهدهم بعد كشف الضر عنهم، ومثل ذلك ذكر في سورة الأعراف.
والله أعلم.