الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية التصرف في البضاعة المملوكة للمدين الذي ليس له ما يقضي به غرماءه

السؤال

شيخنا الجليل، إذا استدان شخص من آخرين أموالاً على دفعات وصرفها في مجالات مختلفة، ثم صرف المبالغ التي استدانها أخيراً على شراء بضاعة، بعدها بدأ الناس يطالبونه بأموالهم، فإذا حجزنا البضاعة وقمنا ببيعها هل تسدّد أموالها للذين أعطوا أموالهم واستخدمها في شراء هذه البضاعة أم أنها تقسّم على جميع من أدانه علما أن ثمن البضاعة لا يسدّ نصف ديونه؟
وبارك الله فيكم

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فينبغي لذلك المدين أن يلجأ أولا إلى خالقه سبحانه فينطرح بين يديه داعيا مؤملا راجيا خائفا مترقبا يرجو رحمة ربه ويسأله سداد دينه وكشف غمته، فعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: «أَلَا ‌أُعَلِّمُكَ ‌دُعَاءً ‌تَدْعُو ‌بِهِ ‌لَوْ ‌كَانَ ‌عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلٍ دَيْنًا لَأَدَّى اللَّهُ عَنْكَ؟ قُلْ يَا مُعَاذُ , اللَّهُمَّ مَالِكُ الْمُلْكِ , تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ , وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ , وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ , وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ , بِيَدِكَ الْخَيْرِ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ , رَحْمَانُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ , تُعْطِيهُمَا مَنْ تَشَاءُ , وَتَمْنَعُ مِنْهُمَا مَنْ تَشَاءُ , ارْحَمْنِي رَحْمَةً تُغْنِينِي بِهَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ». رواه الطبراني في الصغير بإسناد جيد كما قال المنذري، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب.
وأما حجز بضاعته لسداد الدين فلا يجوز دون إذنه ورضاه ما لم يفلس ويرفع أمره للحاكم ليحجر عليه، ويبيع ما فضل عن حاجته من متاعه، ثم يعطي أصحاب الديون ما تحصل على قدر حصصهم، إلا من وجد متاعه بعينه فهو أحق به. ودليل ذلك حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه الذي رواه الدارقطني وصححه الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم حجر عليه وباع ماله في دين عليه وقسمه بين غرمائه، فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ليس لكم إلا ذاك. ثم بعثه إلى اليمن، وقال: لعل الله يجبرك ويؤدي عنك دينك، فلم يزل باليمن حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أفلس الرجل فوجد الرجل متاعه بعينه فهو أحق به. واللفظ لمسلم.
وما بقي من الديون بعد إعطاء الغرماء حصصهم يبقى في ذمته حتى يؤديه، كما هو ظاهر حديث معاذ السابق. لكن على الغرماء إنظاره حتى يتيسر حاله. قال تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280]. والأفضل هو أن يسقطوا عنه الدين، قال تعالى: وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:280]. وما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: كان رَجُلٌ يُدَايِنُ الناس فَكَانَ يقول لِفَتَاهُ إذا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْعنه لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا فَلَقِيَ اللَّهَ فَتَجَاوَزَ عنه. وما رواه مسلم أيضا عن عبد اللَّهِ بن أبي قَتَادَةَ: أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ طَلَبَ غَرِيمًا له فَتَوَارَى عنه ثُمَّ وَجَدَهُ فقال: إني مُعْسِرٌ فقال: آللَّهِ قال: آللَّهِ قال: فَإِنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: من سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ الله من كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عن مُعْسِرٍ أو يَضَعْ عنه.

وبالتالي فثمن البضاعة يقسم على الدائنين بحسب حصصهم فيتحاصونه إن أفلس الرجل أورضي هو ببيع بضاعته ودفع ثمنها لغرمائه . ولا يكون الدائن أحق من غيره إلا إذا وجد عين متاعه عند المدين، وأما لو كان المدين اشترى به سلعة فلا يكون الدائن أحق بها كما في السؤال.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني