السؤال
ما هو الفرق بين: الكفل والنصيب. وبين المس والإصابة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال أهل التفسير: النصيب الحظ من كل شيء خيرا كان أو شرا والكفل كذلك، ويرى بعضهم أن الكفل لا يستعمل إلا في الشر كما جاء في الآية الكريمة: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا .
قال الراغب في المفردات: الكفل: هو الحظ من الشر والشدة، وهو مستعار من الكفل وهو الشيء الردي، ولذلك عبر بالنصيب في الشفاعة الحسنة وبالكفل في الشفاعة السيئة.
وأما المس والإصابة فمعناهما واحد .
ورأى بعض أهل العلم أن بينهما فرقا، فقد قال النيسابوري في تفسيره: لم يفرق صاحب الكشاف ههنا بين المس والإصابة وجعل المعنى واحداً. وأقول : يشبه أن يكون المس أقل من الإصابة، وأنه أدخل في بيان شدة العداوة، وذلك أن الحسد لا ينهض لقليل من الخير إلا أن يكون هناك كمال البغض، والشماتة قلما توجد إذا أصاب العدوّ بلية عظمى كما قيل :
عند الشدائد تذهب الأحقاد * إلا أن يكون ثمة غاية الحقد .
وإذا كان حال القوم مع المسلمين في القضيتين بالخلاف دل ذلك على شدة بغضهم ونهاية حقدهم، وعلى هذا فلا يبعد أن يقال التنوين في ) حسنة ( للتقليل وفي ) سيئة ( للتعظيم ) اهـ
وقال الشعراوي في تفسيره: والعبارات في المعنى الواحد قد تختلف لأن كل مقام له قوله ، وسبحانه يحدد بدقة متناهية اللفظ المناسب . . إنه هو سبحانه الذي قال : { إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا * إلا المصلين * الذين هم على صلاتهم دآئمون } [ المعارج : 19-23 ] وهو سبحانه الذي قال : { مآ أصابك من حسنة فمن الله ومآ أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا } [ النساء : 79 ] إنه جل وعلا يتكلم عن المس في الشر والخير ، ومرة يتكلم عما يحدث للإنسان كإصابة في الخير أو في الشر ، وفي الآية التي نحن بصدد الخواطر عنها تجد خلافا في الأسلوب فسبحانه يقول : { إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها } إنه لم يورد الأمر كله مسا ، ولم يورده كله « إصابة » إنه كلام رب حكيم وعندما نتمعن في المعنى فإن الواحد منا يقول : هذا كلام لا يقوله إلا رب حكيم . ولنتعرف الآن على « المس » و « الإصابة » بعض العلماء قال : إن المس والإصابة بمعنى واحد ، بدليل قوله الحق : { إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا } [ المعارج : 19-21 ] ولكننا نقول إن المس هو إيجاد صلة بين الماس والممسوس فإذا مس الرجل امرأته ، فنحن نأمره بالوضوء فقط لأنه مجرد التقاء الماس بالممسوس والأمر ليس أكثر من التقاء لا تحدث به الجنابة فلا حاجة للغسل ، أما الإصابة فهي التقاء وزيادة؛ فالذي يضرب واحدا صفعة فإنه قد يورم صدغه ، فالكف يلتقي بالخد ، ويصيب الصدغ ، وهكذا نعرف أن هناك فرقا بين المس والإصابة ، وحين يقول الحق : { إن تمسسكم حسنة تسؤهم } . فمعنى ذلك أن الحسنة الواقعة بسيطة ، وليست كبيرة إنها مجرد غنيمة أو قليل من الخير . . وفي حياتنا اليومية نجد من يمتلئ غيظا لأن خصمه قد كسب عشرة قروش ، وقد يجد من يقول له : لماذا لا تدخر غيظك إلى أن يكسب مائة جنيه مثلا؟ ومثل هذا الغيظ من الحسنة الصغيرة هو دليل على أن أي خير يأتي للمؤمنين إنما يسبب التعب والكدر للكافرين . فبمجرد مس الخير للمؤمنين يتعب الكافرين فماذا عن أمر السيئة؟ إن الحق يقول : { وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها } إن الكافرين يفرحون لأي سوء يصيب المؤمنين مع أنه كان مقتضي الإنسانية أن ينقلب الحاسد راحما : وحسبك من حادث بامرئ ... ترى حاسديه له راحمينا يعني حسبك من حادث ومصيبة تقع على إنسان أن الذي كان يحسده ينقلب راحما له ويقول : والله أنا حزنت من أجله . إذن فلما تشتد إصابة المؤمنين أكانت تغير من موقف الكافرين؟ لا ، كان أهل الكفر يفرحون في أهل الإيمان ، وإذا جاء خير أي خير للمؤمنين يحزنون فالحق يقول : { إن تمسسكم حسنة تسؤهم } والحسنة هي أي خير يمسهم مسا خفيفا ، { وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا } ، فأنت مهما كادوا لك فلن يصيبوك بأذى. اهـ .
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني