السؤال
أنا مصري أعمل بالسعودية، رزقني الله بثلاث بنات ـ والحمد لله ـ وقبل أربعة أعوام أصبت بمرض سرطان الغدد الليمفاوية والحمد لله تعالجت وشفيت منه بفضل الله، وفي هذه الفترة كنت أملك بيتا أقوم بتأجيره ـ دخله الشهري ألف جنيه تقريبا ـ فكتبته باسم زوجتي لكي تصرف من إيجاره على أولادي إذا قدر الله لي أي شيء، والحمد لله لدي شقة أخرى وقطعة أرض ومبلغ بالبنك، فهل لي أن أخصص من هذه الأشياء لبناتي بحيث أكتب لكل واحدة شيئا؟ أنا أنوي عمل حساب لكل واحدة منهن وأضع به تقريبا ثلاثين ألف جنيه يساعدهن عندما يكبرن، والآن أكبر واحدة 13 سنة، والثانية 9 سنوات، والثالثة 8 سنوات، فما هو الحد الأقصى الذي يمكن أن أهبه لكل واحدة منهن، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أولا أن يتمم لك الشفاء، وتخصيص بعض ما تملك لبناتك إن كنت تعني به أن تهب لهن شيئا في حياتك فهذا جائز إذا كنت صحيحا في غير مرض مخوف، فإذا وهبت لهن شيئا وأنت في غير مرض مخوف وتمت حيازته فقد تمت الهبة وصارت ملكا لهن، ويلزمك العدل بينهن في الهبة بأن تساوي بينهن في العطية، فإذا أعطيتهن مالا مثلا فأعط الواحدة منهن مقدار ما أعطيته للأخرى من غير مفاضلة، لأن العدل في العطية بين الأولاد واجب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ... فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ ... متفق عليه.
وليس هناك حد لما تهبه لهن، ولك أن تهب لهن كل مالك، والمهم أن تعلم أخي السائل أنه لا يجوز لك أن تهب شيئا لأحد من ورثتك بنية حرمان ورثة آخرين كإخوتك مثلا، لأن هذا من الحيل المحرمة، وانظر الفتوى رقم: 106777، عن حكم الهبة على سبيل الحيلة لحرمان بعض الورثة.
وإذا كنت تعني بالتخصيص أن تكتب لهن وصية يأخذنها بعد مماتك فهذه وصية لوارث، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اَللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وأهل السنن وَحَسَّنَهُ أَحْمَدُ وَاَلتِّرْمِذِيُّ وَقَوَّاهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ اَلْجَارُودِ.
وإذا أوصيت لهن فإن الوصية غير ملزمة ولا تمضي إلا برضى الورثة، وانظر الفتوى رقم: 170967، عن مذاهب العلماء في الوصية للوارث، وكذا إذا وهبتهن شيئا وأنت في المرض المخوف ـ كالسرطان ـ فإن هذه الهبة تأخذ حكم الوصية للوارث ولا تمضي إلا برضا الورثة، وانظر الفتوى رقم: 28174، عن العطية في حال مرض الموت وحال الصحة.
والبيت الذي كتبته باسم زوجتك إن كانت الزوجة حازته وصارت تتصرف فيه تصرف المالك، وكنت كتبته باسمها في غير مرض مخوف فقد تمت الهبة وصار البيت ملكا لها، ولا يدخل في الميراث بعد مماتك. أما إذا لم تحزه حتى مت فقد بطلت الهبة ويكون تركة للورثة، وإن كنت كتبته لها على أنه وصية تأخذها بعد مماتك أو كتبته لها في مرض مخوف ففي كل هذه الحالات يكون البيت وصية وتأخذ حكم الوصية للوارث، لأن زوجتك من جملة ورثتك ولا تمضي بعد مماتك إلا برضا الورثة إذا كانت رابطة الزواج قائمة بينكما حتى الموت.
والله أعلم.