الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

لا أدري من أين أبدأ اعذرني أخي وشيخي إن لم يكن كلامي متناسقا، أنا طالب في كلية الطب وكليتي مختلطة اختلاطا كاملا ليس كبقية الكليات الأخرى التي يكون فيها الاختلاط مجرد محاذاة الفتاة في مقعد أو أن ننصت لمحاضرة يختلط فيها الشباب والبنات, بل اختلاطنا يجبرنا على التعامل معهن في مجموعات ولساعات طوال والقيام بمشاريع دراسية مع بعضنا، وكنت في بادئ الأمر لا أتأثر كثيرا لكن شهرا بعد شهر بدأت المعاناة وأنا أحاول قدر الإمكان عدم الحديث معهن في شيء غير علمي وعدم مجالستهن في مأكل أو مشرب ولكن لا بد للقلب أن يتأثر مع تلك الملابس الضيقة الكاشفة للعورات وتلك الضحكات الفاتنة والدلع وغيره ومحاولة فتح أحاديث أخرى لا علاقة لها بالطب، ثم كسر الحصن والجدار الذي كنت أبنيه فبت لا أمانع في الحديث معهن إضافة إلى شيء من روح الدعابة خلال تلك الساعات الطوال من العمل الممل الذي له علاقة بالطب ولكني اكتفيت هنا بحديث فقط ومزاح فلا أجالسهن ولا أخرج معهن في موعد لكن القلب كان يشتهي ذلك وإن كان قد علم علم اليقين قبح المعصية وعظمها وما لها من أثر في القلب والذي كان يمنعني ـ ولأكون صريحا معك يا شيخي ـ الحياء من الناس قبل الحياء من الله, فالكل كان يعلم أنني شاب متدين وأنني بفضل الله أحفظ القرآن كله وسرعان ما تحول هذا هذا الحياء من الناس إلى نفاق, فبتت لا أكلم البنات في الجامعة لكن أحدث بنات أخريات عن طريق مواقع تعارف أو عن طريق ـ إم إس إن ـ فالقلب بات لا يستحمل ما يراه من جمال وضحكات وغيرها وبت أخاف أن أتكلم مع بنات أعرفهن فأصل إلى أبعد من مجرد الكلام فحدثتني نفسي أن أكلم بنات لا أعرفهن وأكلمهن فقط للتسلية وقضاء ذاك اللهيب الذي في الصدر ثم حدث تطور في الحديث أن طلبت إحدى البنات غير العربيات أن تراني عن طريق كاميرا الجهاز فنتحدث ونرى بعضنا قي نفس الوقت, ثم ما لبثت أن بات سهلا علي أن أحدث أخريات بنفس الطريقة صوتا وصورة ثم صادف أن اعتمرت بعدها وأحسست بعظم الذنب وقبحه وعزمت على عدم الرحوع ويُسر لي في نفس الوقت أن أخبرني صديق لي ـ كنت أشتكي له كم أريد أن أخطب ـ بأن قال لي إنك شلب صالح والرجل يخطب لبنته قبل ولده وذهبت دون علم والدي ـ ليقيني بعدم موافقتهم ـ وقابلت الفتاة وأهلها وأُعجبت بها وأُعجبت بي وأحبني والداها ورضيا بالخطبة إلى أن أتخرج ثم نتزوج، فذهبت وفتحت الموضوع مع والدتي لكنها رفضت رفضا قاطعا وعاتبتني ووصل الموضوع إلى أن اعتبرتني شبه عاق فخفت من ذلك وامتنعت وتوقفت عن موضوع الخطبة وهنا بدأت المصائب فرجعت إلى ما كنت عليه ولكن أشد حدة وأكثر وقتا وكان من الفتيات من تريني ما لا يليق قوله على كاميرا الحاسوب وبات حالي أسوأ مما كان، ومع الوقت خففت الحديث مع كل البنات اللاتي في ـ إم إٍس إن ـ إلا واحدة، فقل لي بالله عليك ماذا أصنع إذا سُهل الحرام وصُعب الحلال؟ وكم من فتاة في الجامعة اعترفت بإعجابها بي أو حاولت ملامستي لكني صددتها لبقية باقية من الحياء ولأني والله بت لا أدري هل أستطيع الصمود أن سأتهاوى وقد جربت الصيام وشغل الوقت ولكن هيجان الشباب أعظم من هذا وذاك فأخبري بالله عليك بالحل وماذا أصنع؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد سبق أن بينا حكم الدراسة في الجامعات المختلطة وما تشتمل عليه من المفاسد والمنكرات ، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 2523.

ولا ريب أن فتنة النساء خطرها عظيم، ولا ينجو منها إلا من اعتصم بالله ووقف عند حدوده، ومن تهاون فيها واتبع خطوات الشيطان عرّض نفسه للوقوع في الحرام وأفسد قلبه وأغضب ربه، وأعظم أسباب النجاة من هذه الفتنة هو الزواج لمن قدر عليه، فإن كنت تقدر على الزواج فبادر به ولا تتردد، فإن منعك والداك من المبادرة بالزواج فاجتهد في إقناعهما بحاجتك إلى الزواج واستعن ببعض الصالحين من الأقارب أو غيرهم ممن يقبلان قولهم ليكلموهم في هذا الأمر، فإن أصرا على منعك من الزواج فلا يلزمك طاعتهما في ذلك، وانظر الفتوى رقم: 114196.

لكن عليك برهما والإحسان إليهما بكل حال، وأما إن كنت لا تقدر على المبادرة بالزواج فعليك أن تصبر وتستعف، ومما يعينك على ذلك: أن تجاهد نفسك وتجتنب مواطن الفتن وتحرص على صحبة الصالحين الذين يذكرونك بالله مع صدق الاعتصام بالله والاستعانة به والتوكل عليه في صرف الفتن عن القلب واليقين بأنّه لا حول لك ولا قوة إلّا بالله، فلا قدرة لك على فعل طاعة أو ترك معصية إلّا أن يمنّ الله عليك بالإعانة والتوفيق، وأكثر من الدعاء بإلحاح، فإن الله قريب مجيب، واعلم أن ثمن الجنة غال وطريقها محفوف بالمكاره، قال ابن القيم رحمه الله: وَمِنْ عِلَاجِهَا: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَرَارَةَ الدُّنْيَا هِيَ بِعَيْنِهَا حَلَاوَةُ الْآخِرَةِ، يَقْلِبُهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ كَذَلِكَ، وَحَلَاوَةَ الدُّنْيَا بِعَيْنِهَا مَرَارَةُ الْآخِرَةِ، وَلَأَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ مَرَارَةٍ مُنْقَطِعَةٍ إِلَى حَلَاوَةٍ دَائِمَةٍ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ عَكْسِ ذَلِكَ، فَإِنْ خَفِيَ عَلَيْكَ هَذَا فَانْظُرْ إِلَى قَوْلِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ: حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ـ رواه مسلم.

ولمعرفة بعض الوسائل المعينة على التغلب على الشهوة غير الصوم راجع الفتوى رقم: 23231.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني