السؤال
سيدي أشكركم بداية على التفضل بالإجابة على سؤالي رقم: 2349332، بفتواكم التي تحمل الرقم: 178693، ولكن لا يزال هناك أمران أريد التيقن منهما بشكل أفضل وهما:
1ـ هل هناك من نصوص في القرآن والسنة تشير إلى مقابلة الإساءة بالإحسان؟ فنحن نعلم أن المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف الذي لا يستطيع أخذ حقه من غيره، أم أننا نسير أيضا على مبدأ إن أحد صفعك على خدك الأيمن فأدر له الخد الأيسر؟ علما بأن القصاص أو الاقتصاص مذكور في القرآن.
2ـ قولي لابني إنك لست ابني وأنا بريئة منك إلى يوم القيامة، هل في ذلك حرمة؟ وهل عليه كفارة؟ وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقاصة والمعاملة بالمثل فيما يجوز فيه ذلك هي أحد خيارات المظلوم مع ظالمه، كما في الفتوى التي أحلناك عليها في الجواب السابق وهي بالرقم: 114087.
ولكن هنالك كثير من نصوص الكتاب والسنة التي تدل على مقابلة الإساءة بالإحسان، وهو من معالي الأخلاق ومكارمها، ومن النصوص الدالة على ذلك قول الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}.
وقوله سبحانه: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:134}.
وقوله: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ {المؤمنون:96}.
وفي قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة يوم الفتح ما يدل على ذلك، ففي سنن البيهقي: أنه قال لهم حين اجتمعوا في المسجد: ما ترون أني صانع بكم؟ قالوا خيرا، أخ كريم وبن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
وفي رواية أخرى عند البيهقي: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقول كما قال يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ـ قال فخرجوا كأنما نشروا من القبور فدخلوا في الإسلام.
ومن قوة المؤمن ومقتضى إيمانه عفوه عن المسيء، وعدم مجازاته الإساءة بمثلها، وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب.
وأما ما ينسب إلى عيسى عليه السلام من قوله: من ضربك في خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر ـ فليس في شرعنا ما يدل على ثبوته عنه حتى نبني عليه أحكاما، ولو صح فقد يكون مقصوده العفو عن المسيء لا الذل والخنوع، وهذا فيما يتعلق بالسؤال الأول.
وأما السؤال الثاني فجوابه أنه إذا كان المقصود بالبراءة المذكورة البراءة من عمله السيء فهذا لا حرج فيه، فقد قال تعالى لنبيه: فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ {الشعراء:216}.
فقد أمره الله تعالى أن يتبرأ من معصية أتباعه، قال الإمام الألوسي في روح المعاني: فإن عصوك يا محمد في الأحكام وفروع الإسلام بعد تصديقك والإيمان بك وتواضعك لهم فقل إني بريء مما تعملون من المعاصي، أي أظهر عدم رضاك بذلك وإنكاره عليهم.
وأما إذا كان المقصود بالبراءة نفي النسب فهو محرم، وكفارته التوبة.
والله أعلم.