السؤال
ما الحكم إذا أفتاني شيخ بأن المسح على الجورب في الوضوء مرة واحدة للمقيم، وعندما سافرت ووصلت البلدة التي أريدها نسيت هذه الفتوى وكنت أمسح على الجورب لمدة ثلاثة أيام، والفترة التي قضيتها هي ثلاثة أشهر على هذا الحال؟ وهل علي إعادة الصلوات؟ أم أنني أعذر بالنسيان؟ وهل هناك اختلاف بين العلماء؟ وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكر من أن للمقيم المسح مرة واحدة غير صحيح، كما أن المسح مدة ثلاثة أيام بالنسبة للمقيم غير صحيح أيضا فقد دلت السنة الصحيحة كما في صحيح مسلم وغيره على أن المدة التي يشرع فيها المسح على الخفين وما في حكمهما كالجوربين هي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر، وهو قول الجمهور، وذهب المالكية إلى عدم التفريق بين المسافر والمقيم وأنه لا حد للمدة التي يجوز المسح فيها على الخفين والجوربين، ومذهب الجمهور أقوى وأرجح، ففي شرح زاد المستقنع للشيخ محمد الشنقيطي: يجوز المسح للمقيم يوماً وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، وقد اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في هذه المسألة: هل المسح على الخفين يتأقت أو لا يتأقت؟ ولذلك يُعَنْوِنون لهذه المسألة بقولهم: توقيت المسح على الخفين ومرادهم إذا مَسَحْت على الخفين وأنت مقيم فهل أنت ملزمٌ بزمان معين أو غير ملزم؟ فذهب الجمهور إلى أن المسح على الخفين مؤقت، كما ورد في الأحاديث التي سبقت الإشارة إليها: ثلاثةُ أيام للمسافر، ويوم وليلة للمقيم، وحجتهم ما سبق من حديث علي في صحيح مسلم، وحديث صفوان بن عسال المرادي في السنن، قالوا: إنها نصت على أن المسح مؤقت، القول الثاني: أن المسح على الخفين غير مؤقت، وهذا هو مذهب المالكية ـ رحمة الله عليهم ـ وقد احتج المالكية على عدم التأقيت بحديث أبي بن عمارة ـ وكان ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المسح على الخفين: يوماً؟ قال: يوماً، قال: ويومين؟ قال: ويومين، قال: وثلاثة؟ قال: نعم، وما شئتَ ـ قالوا: إن هذا الحديث أصل في عدم تأقيت المسح على الخفين، فإذا لبستَ الخفين فامسح ما بدا لك، وينتهي الوقت عند نزعك للخفين، وعند أصحاب هذا القول أن المسح لا يتأقت في السفر ولا في الحَضَر، فالإنسان يمسح مدة لُبسه للخفين، وأصح القولين في نظري ـ والله أعلم ـ أن المسح يتأقت: أولاً: لصحة دلالة السُّنة على ذلك، ثانياً: أن حديث أبي بن عمارة ضعيف، قال ابن معين رحمه الله: إسناده مظلم، وضعَّفه البخاري أيضاً، ولذلك لا يعارِض السُّنة الصحيحة التي أثبتت التوقيت في المسح، فلا بد للإنسان إذا مسح على خفيه أن يلتزم التأقيت الذي صحت به النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.
إذا تبين أن مسح المقيم أكثر من يوم وليلة غير صحيح عند الجمهور، علم السائل أنه أدى بعض الصلوات في الثلاثة الأشهرالمذكورة على وجه غير صحيح، وعليه قضاء الصلوات التي أداها وهو يمسح مسحا غير مأذون فيه شرعا، لأن المسح لا يقوم مقام الغسل إلا في الحالات المنصوص عليها، فإن لم يعلم عددها قضى ما يغلب على ظنه أن ذمته تبرأ به ويلزمه القضاء حسب طاقته بما لا يضر ببدنه، أو بمعيشة يحتاجها، ولينظر الفتوى رقم: 70806.
ولا يعذر بالنسيان هنا، لأن الأمر يتعلق بطهارة الحدث، ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن من ترك شرطا أو ركنا من شروط الصلاة أو أركانها جهلا فلا تلزمه الإعادة، واستدل بأدلة منها حديث المسيء وغيره، وعلى قوله لا تطالب بالقضاء للعذر بالجهل هذا بالإضافة إلى القول بعدم توقيت المسح على الخفين وهومذهب مالك كما تقدم، لكن القضاء أحوط وهومقتضى قول الجمهور، وانظر الفتوى رقم: 117721.
والله أعلم.