السؤال
أرجو من الشيخ الفاضل وفقك الله أن تشرح لي هذه الآية، والتفسير لهذه الآية كان من ناحية التعارض والتوافق، قد فهمت التعارض ولكن لم أفهم التوافق: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُون ـ هذه الآية رقم: 22 من سورة الأنبياء وهذا تفسير في حال الاتفاق ولكن لم أفهمه، واتفاقهما على مراد واحد في جميع الأمور غير ممكن، فإذًا يتعين أن القاهر الذي يوجد مراده وحده، من غير ممانع ولا مدافع، هو الله الواحد القهار، فأنا أؤمن أنه لا إله إلا الله الواحد الأحد الفرد الصمد، ولكن لم أفهم تفسير هذه الآية، كيف لا يمكن اتفاقهما في جميع الأمور؟ وهل من الممكن إعطاء أمثلة عليها، أريد فقط أن تشرح لي من ناحية التوافق، لأن التعارض فهمته، أريد فقط يا شيخ أن تشرح لي هذه النقطة بتفاصيل كثيرة وأمثلة عدة، أريدك أن تكتب لي بشرح مبسط أستطيع فهمه.
ملاحظة: أحاول الحصول على الجواب منذ أيام والحمدلله الذي وفقني لهذا الموقع إسلام ويب.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمراد بعدم التوافق أن يكون لكل منهما إرادة فإذا اختلف مرادهما فالغالب منهما هو القاهر وغيره مقهور لا يصلح أن يكون إلها، فلو أن أحدهما أراد طلوع الشمس من المشرق وأراد أحدهما إطلاعها من المغرب فهنا اختلفت الإرادتان والغالب منهما هو القاهر لغيره الغالب له، قال السعدي: بيان ذلك: أن العالم العلوي والسفلي على ما يرى في أكمل ما يكون من الصلاح والانتظام، الذي ما فيه خلل ولا عيب، ولا ممانعة ولا معارضة، فدل ذلك على أن مدبره واحد، وربه واحد، وإلهه واحد، فلو كان له مدبران وربان أو أكثر من ذلك، لاختل نظامه، وتقوضت أركانه فإنهما يتمانعان ويتعارضان، وإذا أراد أحدهما تدبير شيء وأراد الآخر عدمه، فإنه محال وجود مرادهما معا، ووجود مراد أحدهما دون الآخر يدل على عجز الآخر، وعدم اقتداره واتفاقهما على مراد واحد في جميع الأمور، غير ممكن، فإذًا يتعين أن القاهر الذي يوجد مراده وحده، من غير ممانع ولا مدافع، هو الله الواحد القهار. انتهى.
وقال ابن كثير: أي: لو قُدِّر تعدد الآلهة، لانفرد كل منهم بما يخلق، فما كان ينتظم الوجود، والمشاهد أن الوجود منتظم متسق كل من العالم العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض في غاية الكمال: مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ، ثم لكان كل منهم يطلب قهر الآخر وخلافه، فيعلو بعضهم على بعض، والمتكلمون ذكروا هذا المعنى وعبروا عنه بدليل التمانع، وهو أنه لو فرض صانعان فصاعدا، فأراد واحد تحريك جسم وأراد الآخر سكونه، فإن لم يحصل مراد كل واحد منهما كانا عاجزين والواجب لا يكون عاجزًا ويمتنع اجتماع مراديهما للتضاد، وما جاء هذا المحال إلا من فرض التعدد، فيكون محالا، فأما إن حصل مراد أحدهما دون الآخر، كان الغالب هو الواجب، والآخر المغلوب ممكنًا، لأنه لا يليق بصفة الواجب أن يكون مقهورا ولهذا قال: وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ـ أي: عما يقول الظالمون المعتدون في دعواهم الولد أو الشريك علوا كبيرا. اهـ.
وقد طرح ابن كثير وابن عاشور مسألة إمكانية أن يتفقا على عدم الخلاف وأجابا عليه بأنه يلزم منهم مجاملة أحدهما للآخر، وهذا مشعر بضعف أحدهما عن الآخر، قال ابن كثير: فإن قيل: ألا يمكن أن يتفق الإلهان على أن لا يبغي بعضهم على بعض وبالتالي ينتظم أمر العالم؟ قيل: هذا لا يخلو من مصانعة كل منهما للآخر. اهـ.
وقال ابن عاشور: ويجوز اتفاق الآلهة أيضاً على أن لا يعتز بعضهم على بعض بسبب تفاوت ملكوت كل على ملكوت الآخر بناء على ما اتصفوا به من الحكمة المتماثلة التي تعصمهم عن صدور ما يؤدي إلى اختلال المجد الإلهي، إلا أن هذا المعنى لا يخلو من المصانعة وهي مشعرة بضعف المقدرةِ.
والله أعلم.