السؤال
أعرف كل ما يلزمني من الأحكام الشرعية، ولكنني إذا خليت بمحارم الله من صغائر الذنوب جمعت منها الشيء الكثير، أسأل عن حكم مصافحة الأجنبية بسبب كثرة سفري إلى بلاد الكفر طلبا للتجارة والرزق وعندما أصل هناك أتصل بإحداهن لكي تقوم بتسليتي لكن بدون جماع، لأنني متزوج ولي بنات وأعلم الحد الشرعي لذلك أكتفي بالمداعبة وأدفع لهن لقاء هذا، وقد دعوت الله أن يرزقني البنات، لأنني أعلم فضل تربيتهن وقد فعل وله الحمد والمنه وقد زادني بخير متاع الدنيا وهي زوجتي الصالحة التي لا أستطيع أن أذكر شيئا أعيبه فيها، وأعتبر نفسي مستجاب الدعوة بالدليل والبرهان فقد دعوته في 10 سنين الماضية أكثر من 10 دعوات استجاب الله لها جميعا وزاد، فهل رأيتم مثل هذا التناقض؟ فكيف لمن درس التفسير وتابع المشايخ وحلقات العلم الشرعي وله باع وذراع في كل خير يخطر ببالك أن يقوم بهذه الأعمال؟ ابتداء من مشاهدة الأفلام الأباحية وحتى الاتصال بأولئك والعبث معهن لقاء المال، وإذا مشيت بين الناس قالوا حضر الشيخ وذهب الحاج وأنا قد جعلت الله أهون الناظرين إلي، ولا أهون على نفسي فأقول غيري واقع في الزنا، بل أقول إن غيري حفظ القرآن وعلمه وهو بين الناس لا يساوي شيئا، لأنهم يعظمون التجارة والمال والجاه أكثر من أي شيء آخر، أشعر بأنني يائس مكتئب لا أدري بأي وجه سألقى الله، أخاف أنه كتبني من المرائين الكذابين فيصبح عملي هباء منثورا هذا لأنني أعلم الأحكام وما يريد الله من العباد وفي أمر الشهوة أفعل العكس فقد كبلتني ذنوبي، فكم وكم حللت مشاكل للناس على جميع الأصعدة التي من الممكن أن تتخيلوها ولي كلمة مسموعة بين الناس ووالله ما جلست بينهم إلا وكلمتي تنفذ فأقول لنفسي والله إنك لا تستحق هذا!!! مع العلم أنني لا أتكلم بينهم إلا بما يرضي الله، أشيروا علي بالله عليكم، والله إنني لأعلم أكبر المشايخ مع كل الاحترام لقدركم الكبير ولكني لا أجرؤ أن أعترف لأي منهم بما أصنع، فبالله عليكم ماذا أصنع؟ ومشاكلي باختصار:
1ـ عدم الخشوع في الصلاة أبدا وترك الجماعة في المسجد.
2ـ ضياع الفجر.
3ـ مشاهدة الأفلام الإباحية.
4ـ ما أصنعه مع أولئك اللواتي أتصل بهن للمتعة مقابل المال.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يتوب عليك وأن يتجاوز عنك، ثم اعلم هداك الله أن باب التوبة مفتوح أمام كل أحد لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها، وأنت بحاجة إلى توبة نصوح مما ذكرت من المعاصي، ومما يعينك على هذه التوبة أن تتفكر في نعمة الله تعالى عليك وأن تعلم أن سبيل حفظ هذه النعمة أن ترعاها بشكر الله تعالى، وشكر الله تعالى يكون باستعمال نعمه في طاعته، فالله الذي أمدك بهذا المال لتقضي به حاجاتك وتتقرب به إليه قادر على أن يسلبك ما أعطاك إذا أنت صرفت نعمته في غير مرضاته، قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ {إبراهيم:7}.
قال ابن القيم رحمه الله: يا مكرما بحلة الْإِيمَان بعد حلَّة الْعَافِيَة وَهُوَ يخلقهما فِي مُخَالفَة الْخَالِق لَا تنكر السَّلب يسْتَحق من اسْتعْمل نعْمَة المنعم فيما يكره أن يسلبها. انتهى.
واحذر أيها الأخ أن يكون ما آتاك الله من النعمة استدراجا لك فتكون داخلا في جملة من قال الله فيهم: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ {الأنعام:44}.
وفي المسند من حديث عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيت الله عز وَجَلَّ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ، ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ { سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 44}.
ومما يعينك على التوبة أيضا أن تخشى فضيحة الآخرة فإنه حينئذ يُحصَّل ما في الصدور ويبدو للعيان ما كان خافيا ويندم من قدم السوء حين يطالع الخلق ما قدمت يداه، وتفكر في أسماء الرب وصفاته، واستحضر اطلاعه عليك وإحاطته بك وأنه لا يخفى عليه مثاقيل الذر من عملك، واعلم أن الحجة على العالم أبلغ منها على الجاهل، واعلم كذلك أن العلم الحقيقي هو ما قاد إلى خشية الله تعالى وأورث الخوف منه ومهابته والحذر من سطوته وعقوبته، فخف ربك واحذر نقمته وبأسه فالله تعالى محيط بعباده، وهو سبحانه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وإذا هممت بنظرة محرمة أو بطشة بيدك محرمة فاستحضر أنه تعالى بصير يراك ويطلع على عملك، فإذا كنت تستحيي أن تفعل هذا أمام الناس فالله تعالى أحق أن يستحيا منه من الناس، وانظر للأهمية الفتوى رقم: 169715.
وبعد، فإننا نرجو أن تكون ممن خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم، فأقبل على ربك واستعن به على التوبة من هذه المعاصي، واعلم أنه لا يعينك غيره ولا يأخذ بناصيتك إلى الخير سواه، وحرصك على الجماعة في المسجد من أعظم أسباب الهداية ـ بإذن الله ـ فلا تفرط في هذا الأمر العظيم، وصلاة الجماعة واجبة على الراجح فتاركها آثم، ومن العلماء من يوجب شهودها في المسجد، وخذ هذا الكلام من ابن القيم رحمه الله يمثل حال المتهاون بالجماعة مما يدلك على عظيم الغبن وكبير الخسارة التي تحصل لك، يقول: ولو أن رجلاً يعاني البيع والشراء تفوته صفقة واحدة في بلده من غير سفر ولا مشقة قيمتها سبعة وعشرون ديناراً لأكل يديه ندماً وأسفاً، فكيف وكل ضعف مما تضاعف به صلاة الجماعة خير من ألف وألف ألف وما شاء الله تعالى. انتهى.
وأما عن الخشوع في الصلاة فانظر لبيان بعض ما يعينك عليه الفتويين رقم: 141043، ورقم: 138547.
وأما صلاة الفجر: فإن كنت تفوتها عمدا فهذه كبيرة من أكبر الكبائر، وهي بالاتفاق أكبر من الزنى والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس، بل تصل إلى حد الكفر عند بعض العلماء، وانظر الفتوى رقم: 130853.
وأما إن كانت تفوتك بسبب النوم فلا إثم عليك في ذلك، على أنه ينبغي لك الأخذ بأسباب الاستيقاظ قبل النوم على ما هو مبين في الفتوى رقم: 119406.
ولبيان بعض الأسباب المعينة على الاستيقاظ لصلاة الفجر انظر الفتوى رقم: 124449.
والله أعلم.