السؤال
في يوم من الأيام كنت أحاور مبتدعا فقال إن تفسير الآية: فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة {النساء: 24} لا يمكن أن تكون المهر, لأن الله ربطها بالاستمتاع, فيكون بذلك على كل وهابي أن يدفع لزوجته بعد كل جماع، فقلت له إن معنى الآية النفقة، لأننا إذا ما استمتعنا بهن ورفضن أصبح ذلك نشوزا ولا تجب لهن النفقة، وأنا لا أدري إن كنت أخطأت، فما ردكم عليه؟ وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليست هذه الآية في النفقة، كما ذكر السائل، وإنما معناها الصداق أو المهر، فإنه لا يُستحق كاملا إلا بالدخول قال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ـ فيه قولان:
أحدهما: أنه الاستمتاع في النكاح بالمهور، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد والجمهور.
والثاني: أنه الاستمتاع إلى أجل مُسمىً من غير عقد نكاح، وقد روي عن ابن عباس أنه كان يفتي بجواز المتعة ثم رجع عن ذلك.
وقد تكلف قوم من مفسّري القرّاء، فقالوا: المراد بهذه الآية نكاح المتعة، ثم نسخت بما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه نهى عن متعة النساء، وهذا تكلُّف لا يحتاج إليه، لأن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أجاز المتعة، ثم منع منها فكان قوله منسوخاً بقوله، وأما الآية فإنها لم تتضمّن جواز المتعة، لأنه تعالى قال فيها: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ ـ فدل ذلك على النّكاح الصحيح، قال الزجّاج: ومعنى قوله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ـ فما نكحتموهن على الشريطة التي جرت، وهو قوله: مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ ـ أي: عاقدين التزويج: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ـ أي: مهورهن، ومن ذهب في الآية إلى غير هذا، فقد أخطأ وجهل اللغة. اهـ.
وهذا أقل ما يقال لمن فهم من الآية لزوم دفع الزوج لزوجته أجرا بعد كل جماع!! فليس هذا بوارد ولا بمراد، لا من قريب ولا من بعيد، وإنما المراد بالاستمتاع حصول الوطء ولو لمرة واحدة فتستحق الزوجة المهر كاملا، قال ابن عطية في المحرر الوجيز: المعنى: فإذا استمتعتم بالزوجة ووقع الوطء ولو مرة فقد وجب إعطاء الأجر، وهو المهر كله ولفظة: فَمَا ـ تعطي أن بيسير الوطء يجب إيتاء الأجر. اهـ.
وقد انتصر الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان لكون المراد بذلك المهر في النكاح الشرعي الصحيح، وكان مما قال: سياق الآية التي نحن بصددها يدل دلالة واضحة على أن الآية في عقد النكاح كما بينا، لا في نكاح المتعة لأنه تعالى ذكر المحرمات التي لا يجوز نكاحها بقوله تعالى: حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم .. إلخ، ثم بين أن غير تلك المحرمات حلال بالنكاح بقوله: وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين ـ ثم بين أن من نكحتم منهن واستمتعتم بها يلزمكم أن تعطوها مهرها، مرتبا لذلك بالفاء على النكاح بقوله: فما استمتعتم به منهن .. الآية، كما بيناه واضحا. اهـ.
ويتأكد هذا بأن هذه الآية لو كانت في جواز نكاح المتعة لما صح أن يقال بعدها: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ .. {النساء: 25}.
لأن نكاح الإماء لا يجوز إلا عند تعسر مهر الحرائر، ولو كانت المتعة في النكاح المؤقت جائزة لما تعذرت أجرتها إلا نادرا، وعلى أية حال فنكاح المتعة كان جائزا ثم نسخ ذلك وحُرِّم، فلو حملت هذه الآية عليه لكانت منسوخة بآيات المواريث والعدة وغيرها من الآيات، قال الشوكاني في فتح القدير: قال سعيد بن جبير: نسخها آيات الميراث، إذ المتعة لا ميراث فيها، وقالت عائشة والقاسم بن محمد: تحريمها ونسخها في القرآن، وذلك قوله تعالى: والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ـ وليست المنكوحة بالمتعة من أزواجهم، ولا مما ملكت أيمانهم، فإن من شأن الزوجة أن ترث وتورث، وليست المستمتع بها كذلك. اهـ.
هذا مع ما ثبت في السنة النبوية من أدلة تحريمها، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 485.
والله أعلم.