السؤال
الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما {الطلاق:12}هل قوله تعالى: ومن الأرض مثلهن ـ يقصد طبقات الأرض السبع؟ وهل التفسير التالي صحيح؟ إن من عجائب عظيم خلقة الله سبحانه بملكوت عظيم أرضه أن جعل بجوف الأرض فيما بين طباق الأراضين شموسا تعوم وتجري وتشرق على أممً كثيرةً مجهولةً عنا من أمم يأجوج ومأجوج وغيرهم من سكان عوالم جوف الأرض بعظيم قدرته وجلُ مشيئته سبحانه، فهذه الشموس موجودة حقا في جوف الأرض من تحت أقدامنا، وقد بين الله سبحانه وتعالى لنا في محكم كتابه الحكيم ذكرها وحقيقة وجودها وأمرها، فعرفها نبيه الأمين محمد صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وذكر أنها تغرب في عين حمئة من قبل ألف وأربع مائة سنة، وقد آمن معشر المؤمنين من الأنصار والمهاجرين بحقيقة شمس جوف الأرض التي تغرب في جوف الأرض في العيون الحمئة، وقد آمن الناس وعلماء الفلاسفة الأولين من الأمم المؤمنة من التي قبلنا أن الأرض سبع أراضين طباقا على الارتفاع والانخفاض وأن الشموس فيها شموسً متعددة كثيرة والأقمار أيضا أقمارً كثيرة، كل أرض هي بمثابة إقليم ولها شمسها التي تنيرها وقمرها، كما قال العلامة: ابن الوردي ـ رحمه الله ـ في كتابه خريدة العجائب وفريدة الغرائب: أن علماء وحكماء الفلاسفة ليؤمنون ويقولون: إن الشموس شموس كثيرة والأقمار أقمار كثيرة ففي كل إقليم شمس وقمر، ويرون أن الأرض سبعة أقاليم على الانخفاض والارتفاع كدرج المراقي ـ فهذا صحيح فإن أرضنا مجوفة وبجوفها سبع أراضين وهي سبع أجدُر كدرج المراقي على الأرتفاع والأنخفاض، كما جاء عن الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما ذكره السيوطي مما أخرجه ابن مردويه عن جابربن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك، إذ عارضنا رجل مترجب ـ يعني طويل ـ فدنا من النبي عليه الصلاة والسلام فأخذ بخطام راحلته فقال: أنت محمد؟ قال: نعم، قال: إني أُريد أن أسألك عن خصال لا يعلمها أحد من أهل الأرض إلا رجل أو رجلان، فقال عليه السلام: سل عما شئت، قال: يا محمد ما تحت هذه؟ يعني الأرض، فقال: خلق، قال: فما تحتهم؟ قال: أرض، قال: فما تحتها؟ قال: خلق، قال: فما تحتهم؟ قال:أرض حتى انتهى إلى السابعة ـ أي أنه عليه السلام قد عد سبع أراضين ـ قال: فما تحت السابعة؟ قال: صخرة، إلخ, إلى أن قال: فما تحت الهواء؟ قال: الثرى، قال: فما تحت الثرى؟ ففاضت عينا رسول الله صلى الله علية وآله وسلم بالبكاء، فقال: انقطع علم المخلوقين ـ فصدق رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه، فقد انقطع علم المخلوقين عند منتصف مركز كرة الأرض، فلا شيء بعد هذا، فالأرضون سبع، كما جاء بالدر المنثور أن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: الأرض سبعة أجزاء: ستة أجزاء فيها يأجوج ومأجوج وجزء فيه سائر الخلق، فعلمنا الآن أن ليأجوج ومأجوج الأراضي الست التي بجوف أرضنا، ولهم عوالم جوف أرضنا كله، ولسائر جميع طوائف بني آدم من بني سام وحام ويافث جزء واحد وهو سطح الأرض، فالأراضون سبع، ومما يدل أيضا على تعدد طبقاتها، ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صحيح البخاري حيث قال: قال ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال النّبي صلى الله عليه وأله سلم: من أخذ من الأرض شيئا بغير حقّه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين أي خسف بها إلى مركز الأرض من الأولى إلى السابعة، فالخسف هو أن يهوى به في جوف الأرض ـ والعياذ بالله ـ فالأراضون سبع، والسماوات سبع لكل سماء نورها الذي نوره الله فيها، وقد جاء بيان ذلك في القرآن العظيم فقال سبحانه وتعالى: الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ـ فأرضنا مكونة من سبع سماوات وسبع أرضين طباقا، يتنزل أمر الله، من وحيه وأوامره بينهن على جميع خلائقه، فهي كرة داخل كرة، بين كل كرة عن كرة، حيز من الفضاء، تجري الشموس بين مجالات جاذبيتها المتنافرة، وشكرا جزيلا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت في النصوص ما يدل على أن الأرضين سبع، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: من أخذ شبراً من الأرض ظلماً طوقه من سبع أرضين يوم القيامة. متفق عليه.
وكما رواه النسائي وغيره في الحديث القدسي: ... لو أن السموات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله.
وفي حديث الحاكم الذي صححه ووافقه الذهبي: اللهم رب السموات السبع وما أظللن، والأرضين السبع وما أقللن..
واختلف أهل العلم في تفسير الأرضين السبع، فذهب بعضهم إلى أنها كرات كالكرة الأرضية، بعضها فوق بعض، بين كل أرض منها مسافة، وأن في كل أرض منها خلق، لا يعلم حقيقتهم إلا الله تعالى، وقيل: إنها سبع أرضين، إلا أنه لم يفتق بعضها من بعض، وقيل: إن الأرض كرة واحدة منقسمة إلى سبعة أقاليم، قال القرطبي في تفسيره: ذكر تعالى أن السماوات سبع، ولا خلاف في أنها كذلك، بعضها فوق بعض، كما دلَّ على ذلك حديث الإسراء وغيره، ولم يأتِ للأرض في التنزيل عدد صريح لا يحتمل التأويل إلا قوله تعالى: وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ {الطلاق:12} وقد اختلف في المثلية... والجمهور على أنها سبع أرضين طباقًا، بعضها فوق بعض، بين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والسماء، وفي كل أرض سكان من خلق الله، وعن الضحاك: أنها سبع أرضين، ولكنها مطبقة بعضها على بعض من غير فتوق بخلاف السموات.... اهـ.
وقال الزحيلي في تفسيره: ولا خلاف في أن السموات سبع، بعضها فوق بعض، كما دل حديث الإسراء وغيره واختلفوا في الأرض، فقال الجمهور: إنها سبع أرضين طباقا، بعضها فوق بعض، ولعل ذلك طبقات الأرض، لقوله تعالى: ومن الأرض مثلهن أي سبعا من الأرضين، ولكنها مطبقة بعضها على بعض من غير فتوق أو فرجة، وللأحاديث الصحيحة المتقدمة مثل الحديث الذي رواه أحمد والشيخان عن عائشة وسعيد بن زيد: من ظلم قيد شبر من الأرض، طوقه من سبع أرضين ـ وقيل: إنها أرض واحدة، وأن المماثلة ليست في العدد، وإنما هي في الخلق والإبداع والإحكام، والرأي الأول أصح وأظهر، كما قال القرطبي وغيره من كبار المفسرين القدامى والمعاصرين، لأن الأخبار دالة عليه في الترمذي والنسائي وغيرهما. اهـ.
وقد ضعف ابن كثير كون المراد سبعة أقاليم، حيث قال في تفسيره: ومن حمل ذلك على سبعة أقاليم فقد أبعد النجعة وأغرق في النزع، وخالف القرآن والحديث بلا مستند. اهـ.
وقد صرح بعض المفسرين بوجود خلق في تلك الأرضين وذكر بعضهم وجود ناس بتلك الأراضي ولم نطلع في ذلك على نص صحيح، وإذا لم يوجد نص صحيح فيكون ذلك مما يعتبر غيبا لنا لا يمكن الجرز بثبوته من غير دليل، وقد وردت بعض الآثار الضعيفة في ذلك منها ما رواه البيهقي في الأسماء والصفات ـ رقم:832 ـ عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قوله تعالى: خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ {الطلاق:12} قال: سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدمكم، ونوح كنوح، وإبراهيم كإبراهيم، وعيسى كعيسى. قال البيهقي بعده: هو شاذ بمرة.
وقال السيوطي في الحاوي: هذا الكلام من البيهقي في غاية الحسن، فإنه لا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن، لاحتمال صحة الإسناد مع أن في المتن شذوذًا أو علة تمنع صحته.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية: هو محمول ـ إن صح عن ابن عباس ـ على أنه أخذه من الإسرائيليات.. وذلك وأمثاله إذا لم يصح سنده إلى معصومٍ فهو مردود على قائله. اهـ.
وأغلب ما ذكره السائل ذكره الألوسي نقلا عن ابن الوردي ولكنه لا يمكن الجزم بصحته نظرا لعدم وجود سند فيه فالأولى الإيمان بما ثبت من كون الأرضين سبعا وعدم الخوض فيما لم يثبت مع كونه لا يترتب على الجهل به شيء، وقد قال الشيخ عطية سالم في شرح حديث: طوقه من سبع أرضين ـ والتحقيق عندهم: أن عدد الأرضين سبع متلاصقة وليست منفصلة.... وبعض المحققين يقول: في هذا الحديث إشعار بأن الأرض على تقدير أنها سبع أرضين متلاصقة، وبعضهم يقول: كقشر البصل كل واحدة فوق الثانية، وبعضهم يقول: إن الأرضين السبع هي القارات اليابسة مع الماء ونسبة اليابس مع الماء مع الأرض الربع، وثلاثة الأرباع ماء، المحيطات وهو بحر واحد، وإن كانوا يسمونها البحر الأحمر، البحر الأبيض، المحيط الأطلسي، المحيط الأطلنطي، المحيط الهادئ، ولكن عند التحقيق فكلها بحر واحد... والآن ماذا يقول السادة المشايخ بعد مجيء مراكب الفضاء، وبعد الدوران حول الأرض عدة مرات؟ هل هناك أرضين تحت الدورة هذه؟ ..وهل الأرضون السبع لها سماوات سبع ولها سبع شموس؟ أقول: إن هذه النقطة بالذات شغلت العلماء، وأوجدت تلك الأقوال والأفكار، ونحن نقول: يقول الله سبحانه: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ { الكهف:51} وجاء الحديث: ولم تدرك عقولنا كنهها، إذاً: ما لم يشهدنا كيف خلق الأرض، نقول: آمنا بالله، وبما جاء عن الله على مراد رسول الله، وآمنا برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله، أما كونها سبع أرضين بعضها منطبق على بعض فالذين درسوا قليلاً من الجغرافيا يعلمون أن جوف الأرض منصهر، وأن البراكين التي تظهر ما هي إلا من انصهار المعادن والأجرام التي في باطن الأرض وتتموج، وإذا وجدت ضعفاً في قشرة الأرض الخارجية خرج البركان حمماً يسيل مثل الماء، إذاً: باطن الأرض الله أعلم به ويكفي ـ كما يقولون ـ في أحاديث الوعيد أن تمرر كما جاءت، ولا يفصل فيها..... والله تعالى أعلم. اهـ.
والله أعلم.