السؤال
وصلتُ لمرحلة أخجل وأخاف أن أسأل نصيحة شخص أعرفه عن الحل. أنا منذ الصغر مُتعلقة بالرسوم المتحركة اليابانية، ولم أكن أصلي إلا نادرا جداً، والآن عمري 21 سنة، أرى أنني بعدتُ كثيراً عن ديني، والله لا أصلي، لا أقرأ القرآن، ولا أذكار، وأسمع أغاني كثيراً، وفعلت معاصي كثيرة من محادثة شباب، وسماع أغاني وقت الصلاة، وعدم فعل أي نوع من العبادات في آخر رمضان وغيرها، أثرت علي أفكار الكرتون كثيراً لدرجة أنني صرت أفكر كثيراً بأفكار جنسية وكافرة عن ناس في حياتي، وأتعدى حدودي بالتفكير بمن أعجز عن تحديدهم "أشعر بأن الأفكار التي جاءت في بالي ربما توصلني للشرك، أو الكفر أعوذ بالله"، أنقذوني حتى الآن بعدما انتظمت على الصلاة، والقرآن تطرأ على بالي هذه الأفكار بدون قصد، أغلب الوقت أكره أن أكون في هذا الحال كثيراً، "بدأت أعتقد أنني ربما أوسوس وعندي شيء ما"، فبعد ما تقربت إلى الله ما زالت تطرأ في بالي بشكل عجيب.
مشكلتي:
1-كيف أطهر عقلي وقلبي من الأفكار المنحرفة والكفرية؟
2-كيف أرجع خشوعي إلى الله وديني؟
3-كيف بإذن الله أطلب رضى ربي علي بعد معصيتي له، وتعدي حدوده؟
4- كيف أرجع غيرتي على ديني؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الوساوس إذا طرأت على المسلم بدون قصد، ولم يسترسل معها، ولم يتحدث بها بل كرهها وأبغضها بقلبه، فإنها لا تضره ولا يحاسب عليها، لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به. متفق عليه. وانظر فتوانا رقم: 19691.
ويستعين المسلم على دفع ذلك بالوسائل التي تقوي الإيمان، ومنها: تلاوة القرآن الكريم، والتأمل في الآيات التي تتناول موضوع العقيدة والإيمان، وبمجالسة الأخيار من أهل العلم و الصالحين، وحضور مجالس العلم، وبالتقرب إلى الله تعالى بما استطاع من أعمال الخير. ثم عليه أن يتأمل في نفسه، وفي هذا الكون من حوله، فكل ما فيه شاهد على وجود الله عز وجل، وأنه الخالق المنفرد. فإذا فعل ذلك بصدق وإخلاص، فإنه سيجد نتيجة ذلك، ويذهب عنه ما يجد إن شاء الله تعالى، فإن الله تعالى الذي لا يضيع أجر من أحسن عملاً، يقول في محكم كتابه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69]. كما عليه أن يتيقن وقوفه بين يدي ربه تعالى، فيسأله عن كل صغيرة وكبيرة قد سجلها الكتبة الحافظون، كما قال سبحانه: وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ [القمر:53]. وليكثر من قول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. وانظري فتوانا رقم: 28748.
فأكثري من قراءة الإخلاص، والمعوذتين دائماً، وداومي على أذكار الصباح والمساء. وانظري فتوانا رقم: 51601.
فلو فعلت هذه الأمور فسيأتيك الخشوع والسكينة بإذن الله تعالى، ولن يرجعك إلى مرضاة الله إلا اجتهادك في طاعته والتوبة الدائمة إليه من كل ذنب وتقصير. قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [الزمر: 53، 54]. ولا يضرك بعدك السابق عن الله وكثرة معاصيه، ما دام أنك تبت وأحسنت التوبة، وهذا أمر يفرح الله تعالى به منك فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أفرح بتوبة أحدكم من رجل بأرض فلاة دوية مهلكة، معه راحلته عليها زاده وطعامه وشرابه وما يصلحه، فأضلها، فخرج في طلبها حتى إذا أدركه الموت قال: أرجع إلى مكاني الذي أضللتها فيه فأموت فيه، فرجع إلى مكانه فغلبته عينه، فاستيقظ فإذا راحلته عند رأسه عليها طعامه وشرابه وما يصلحه. رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
واعلمي أنه لا يرجع غيرتك على دينك أفضل من الابتعاد عن المعاصي، والنفور منها وبغضها، ومحاربتها، والإنكار على من أظهرها, والصبر على طاعة الله، والاستمرار في الالتزام والتمسك بالدين ومسائله مهما اشتدت على المسلم في الظاهر.
والله أعلم.