الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العمل خارج البلد أم الاستقالة وملازمة الأبوين

السؤال

أعيش أنا، وزوجي، وأولادي في دولة عربية، لأن الأحوال في بلدنا الأصلي متدهورة اقتصاديا وأمنيا. وزوجي ولله الحمد يعمل في وظيفة مرموقة ذات دخل عالي، والحمد لله أولا وأخيرا. زوجي أصغر إخوته، وله أربعة إخوة كبار، كلهم يسكنون مع والديه في بلدنا الأصلي، الآن ذهب زوجي لزيارة أهله في بلدنا الأصلي، ووجد أن غلب إخوته لديهم مشاكل زوجية (هداهم الله) ووجد أباه في المستشفى من شدة الحزن على حال أبنائه. الأب خرج الآن من المستشفى، ولكن المشكلة الكبرى أنه تعلق بابنه الصغير (زوجي) وهو يطلب منه الآن أن يبقى معه حتى يساعده في حل مشاكل إخوته الآخرين، ويقف بجانبه معنويا، مع العلم أن الأب مرتاح وغير محتاج ماديا، وصحته جيدة الحمد لله، ولكنه تعب من مشاكل أبنائه الآخرين، كما أن حماتي (زوجته) موجودة معه، وأكبر أبنائه يسكن معه في نفس البيت. والأبناء كلهم أناس يحملون شهادات عليا، وكلهم يعملون في وظائف جيدة. يعني أن له أربعة أبناء أكبر من زوجي في نفس البلد، ومع ذلك يطلب من زوجي البقاء معه ومساعدته لحل مشاكلهم.
عرض زوجي على أبيه أن يحضره في زيارة طويلة، أو حتى أن يقيم معنا هنا في البلد العربي (وقد وافقته ورحبت بالفكرة) حتى يرتاح الأب قليلا، وتتحسن نفسيته، لكن الأب لا يريد أن يغادر البلاد الأصلية ويترك باقي أولاده. وهو يرجو زوجي أن يستقيل ويترك عمله ويقيم معه حتى يحل مشاكل إخوته الكبار ! .
أغيثوني أرجوكم سنفقد مستقبل أولادنا، ووظيفة لا تعوض، ووضعا لا يمكن أن نجد مثله.
فهل يرضى الله عز وجل أن يبطر الإنسان على النعمة ويتركها هكذا؟
ولكن من ناحية أخرى لا أريد أن أشجع زوجي على أن يعق أباه. وأنا أعلم الحديث القائل: (أنت ومالك لأبيك). زوجي لا يقصر مع والديه، وأنا أشجعه على ذلك، ويعلم الله أني أحثه على ذلك (حتى يبرني أولادي بالمقابل ) لكني أجد نفسي عاجزة عن تحمل هذه التضحية الكبيرة بمستقبلنا بدون سبب واضح، فإخوان زوجي كبار بالغون، عاقلون، مسؤولون عن حل مشاكلهم، ولا أعتقد أنهم سيلتفتون لأخيهم الصغير، أو ينتظرون مشورته، أو يعملون برأيه! والأب لا يحتاج لزوجي لا ماديا ولا صحيا.
فهل يضحي زوجي بمستقبله ليدعم أباه معنويا فقط، ويحل لإخوته الكبار مشاكلهم الزوجية ؟
لو أمكن أن توجهوا خطابكم للأب.
وأفيدونا من الكتاب والسنة وبالأدلة ماذا نقول له؟ وكيف نحاول أن نرضيه ونرضي الله عز وجل أولا وأخيرا؟
وادعوا لنا، ولأهل زوجي بالهداية والفرج ولجميع المسلمين. وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يخفى ما للوالدين من منزلة عظيمة جعلها لهما الشارع الحكيم، فقد قرن حقه بحقهما، وشكره بشكرهما، وأوجب على الولد بر والديه والإحسان إليهما، لكونهما سبب وجوده في هذه الحياة، وسهرا وتعبا من أجله وفي سبيل تربيته، ويمكن مطالعة بعض النصوص المتعلقة ببر الوالدين بالفتوى رقم: 136974. فمهما أمكن زوجك تنفيذ أمر والده والعودة للإقامة عنده، ومساعدته في حل هذه المشاكل، فليفعل، وقد يفتح الله عليه بسبب هذا البر من الخير ما لا يخطر لكم على بال، ولو أعطاه القليل ربما بارك له فيه فينفعه نفعا لا يحصل عليه من الكثير، وصدق أبو العتاهية حين قال:

واللهُ إن بارك في شيء نفع.

وأحسن من هذا قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي قتادة، وأبي الدهماء .... قالا: أتينا على رجل من أهل البادية فقال البدوي: أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يعلمني مما علمه الله تبارك وتعالى. وقال: إنك لن تدع شيئا اتقاء الله عز وجل إلا أعطاك الله خيرا منه.

وقد تجب على زوجك طاعة والده، إذا كان الوالد يتأذى من هذه المشاكل أذى كثيرا، ولم يكن ثمة سبيل لحلها إلا بعودة زوجك، فتتعين عليه العودة في هذه الحالة. وإلا فلا، وراجعي الفتوى رقم: 76303 ففيها بيان حدود طاعة الوالدين.

ويمكن لزوجك أن يحاول إقناع والده بالسماح له بالبقاء في مكان عمله بالخارج، ويجتهد من خلال الوسائل المختلفة في حل هذه المشاكل كالاتصال بإخوته، والاستعانة بالعقلاء من الأقارب -مثلا- وغيرها من الوسائل، وبذلك يجمع بين المصلحتين، ويمكن أن يقدم على إجازة من عمله لمدة ريثما يتمكن بإذن الله من حل المشاكل وترتيب البيت، ومن ثم يعود مرة أخرى لمواصلة عمله في الخارج.

ولو قدر الله أن يتخذ زوجك قرار العودة، فاحرصي على أن لا يكون منك جزع لأجل ذلك، فالجزع لا يجد منه صاحبه إلا الندم والحسرات، فهو لا يدفع مرهوبا ولا يأتي بمرغوب، والزمي الصبر ففيه خير الدنيا والآخرة. وراجعي في فضل الصبر الفتوى رقم: 18103.

وفي الختام نشكر لك ما ذكرت من حرصك على تشجيع زوجك على البر بوالده، وعدم العمل على ما يمكن أن يوقعه في العقوق، وهذا أمر حسن، وعلامة خير، ويدل على كريم خلق. فجزاك الله خيرا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني