السؤال
أرجو شرح هذا الكلام, ففي منة المنعم في شرح صحيح مسلم للمباركفوري في الجزء الرابع ص83 يقول التالي: العصمة واجبة في حق الأنبياء, ممكنة في حق غيرهم.
المحدث وهو من يلقى الحق في قلبه فيكون كالذي حدثه به غيره, ومن يكلمه الملائكة في نفسه, وإن لم ير مكلمًا في الحقيقة, وكلا المعنين قريب من الإلهام, والإلهام إصابة بغير نبوة, وأشار أبو بكر بأخذ الفدية منهم, فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر, ولم يهو ما قال عمر, ثم أنزل الله العتاب على أخذ الفدية, ثم وصل إلى التالي: وروى الترمذي من حديث ابن عمر أنه قال: ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال فيه عمر إلا نزل القرآن فيه على نحو ما قال عمر.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى القول بأن العصمة واجبة للأنبياء، ممكنة في حق غيرهم؛ معناه: أن العصمة في حق الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - واجبة, أي: يجب على المسلم أن يعتقد أنهم معصومون من الوقوع في كبائر الذنوب، وإذا قعت منهم أو من بعضهم الصغائر أو خلاف الأولى فإنهم لا يقرون عليها؛ بل ينبههم الله تبارك وتعالى عليها فيبادرون بالتوبة, ولا يقرون عليها.
أما كون العصمة جائزة في حق غير الأنبياء من الصالحين والأولياء والعلماء: فيجوز - شرعًا وعقلًا - أن يحفظ الله تبارك وتعالى بعض عباده الصالحين, فيعصمه من الوقوع في الذنوب والمعاصي, وليس ذلك بلازم, ويوضح هذا ما ذكره المباركفوري في تحفة الأحوذي عند شرحه لدعاء صلاة الحاجة حيث قال:" (والسلامة من كل إثم) قال العراقي فيه: جواز سؤال العصمة من كل الذنوب، وقد أنكر بعضهم جواز ذلك؛ إذ العصمة إنما هي للأنبياء والملائكة، قال: والجواب أنها في حق الأنبياء والملائكة واجبة, وفي حق غيرهم جائزة؛ وسؤال الجائز جائز؛ إلا أن الأدب سؤال الحفظ في حقنا لا العصمة، وقد يكون هذا هو المراد هنا"
وأما المحدَّث فهو: الملهم الذي يلهمه الله تعالى الحق والصواب من غير وحي ولا عصمة، والإلهام والتحديث قد يحصل لبعض الناس في كل زمان ومكان، وقد حصل لبعض هذه الأمة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، كما كان في الأمم السابقة؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: إنه قد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب. متفق عليه.
وهذا يدل على فضل عمر - رضي الله عنه - وقد روى الترمذي وغيره عن نافع عن ابن عمر" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه. وقال ابن عمر: ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال فيه عمر إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر" صححه الألباني, وفي فتح الباري لابن حجر: قوله: (محدثون) بفتح الدال جمع محدث، واختلف في تأويله فقيل: ملهم، قاله الأكثر قالوا: المحدث بالفتح هو الرجل الصادق الظن، وهو من ألقي في روعه شيء من قبل الملأ الأعلى فيكون كالذي حدثه غيره به، وبهذا جزم أبو أحمد العسكري, وقيل: من يجري الصواب على لسانه من غير قصد، وقيل: مكلم, أي: تكلمه الملائكة بغير نبوة، وهذا ورد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا ولفظه: " قيل يا رسول الله: وكيف يحدث؟ قال: تتكلم الملائكة على لسانه" رويناه في فوائد الجوهري, وحكاه القابسي وآخرون، ويؤيده ما ثبت في الرواية المعلقة, ويحتمل رده إلى المعنى الأول, أي: تكلمه في نفسه, وإن لم ير مكلمًا في الحقيقة فيرجع إلى الإلهام، وفسره ابن التين بالتفرس، ووقع في مسند الحميدي عقب حديث عائشة "المحدث الملهم بالصواب الذي يلقى على فيه", وعند مسلم من رواية ابن وهب "ملهمون، وهي الإصابة بغير نبوة" وفي رواية الترمذي عن بعض أصحاب ابن عيينة "محدثون يعني مفهمون" وفي رواية الإسماعيلي "قال إبراهيم - يعني ابن سعد رواية - قوله محدث أي يلقى في روعه" انتهى، ويؤيده حديث " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه " أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر، وأحمد من حديث أبي هريرة .... قوله: ( زاد زكريا بن أبي زائدة عن سعد) هو ابن إبراهيم المذكور، وفي روايته زيادتان: إحداهما بيان كونهم من بني إسرائيل، والثانية تفسير المراد بالمحدث في رواية غيره فإنه قال بدلها "يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء" ... اهـ
ومما وقع لعمر من ذلك ما أشرت إليه من عدم أخذ الفدية من مشركي قريش يوم بدر, وغير ذلك كثير، وانظر لمزيد فائدة حول فضل عمر الفتوى: 62984.
والله أعلم.