الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تب إلى الله وخذ بأسباب الاستقامة

السؤال

أنا فعلت فاحشة كبيرة في أيام قال الله عنها: "فلا تظلموا فيهن أنفسكم" - وهي الأشهر الحرم – فقد وقعت في الزنا, وبعده بأسبوعين ابتلاني الله بمرض تناسلي, وبعد الابتلاء أسرعت إلى التوبة إلى الله سبحانه وتعالى, وحلفت أن لا أعود لهذا ما دمت حيًّا, وقررت أن أتزوج, وأن أعتمر هذه السنة - إن شاء الله تعالى -.
أحبتي في الله: الحمد لله, والشكر لله, لقد عافني الله مما أصابني به - بما كسبت يداي - وإني تبت إليه, ولكني ما زلت خائفًا ومتوترًا أن يعود إليّ ذلك المرض؛ لأن بعض الأطباء قالوا بأنه مرض متكرر, مع أنهم لا يعلمون حقيقة الفايروس أو البكتيريا المسببة لما حصل لي، وأنا الآن – والحمد لله - أحس بعافية كاملة وصحة تامة, ومضى شهر تقريبًا, ولكني دائمًا أتساءل وأخاف أن لا يقبل الله توبتي؛ لأني تبت بعدالابتلاء فقط, وربما قد فات أوان التوبة, وكان من المفترض أن أتوب بعد الفاحشة وأذكر ربي, وإني أحيانًا أحمد الله سبحانه وتعالى أن أصابني بما أصبت به؛ لأني لو لم أصب به فربما كنت سأقع في فاحشة أكبر؛ فقد كنت ضائعًا, وفي لهو ولعب, وأحيانًا أخاف أن يحصل لي مثل ما حصل لصاحب الجنتين - الذي كان عنده مزرعة وثمرات, ولم يشكر الله عليها - في سورة الكهف, فلما أذهب الله عنه النعمة التي كان فيها أصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها, وهي خاوية على عروشها, ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرًا, وأحيانًا أخاف أن يصيبني الله بأمراض أخطر مما أصابني, ودائمًا أسأل الله أن يسترني فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليه، ودائمًا أسأله أن يجعلني قرة عين لوالدي, وأن يجعلني صالحًا لهما، والحمد لله فقد كنت دائمًا صالحًا لهما, وهما يحبانني كثيرًا, ولا أذكر أنني عصيتهما في أمر, غير أنني كنت أفعل الفواحش دون علمهما, وما يخيفني أكثر هو أني كنت أعلم أن ما أفعله خطأ, وتبت إلى الله قبل, وكنت في رمضان الفائت أبكي في صلاتي, وكنت أقوم صلاة التراويح والتهجد, وكنت..., ولكني انتكست مجددًا, وتبت بعد الابتلاء, ودائمًا أقول: ليتني تبت قبل أن يصيبني ما أصابني, وأخاف أيضًا أن أكون ممن يدعون الله عندما يصيبهم الضر, وعند الفرج يلهون ويلعبون "كأن لم يدعنا إلى ضر مسه", فهل ستقبل توبتي؟ وأنا أدعو الله أن يسترني فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليه، وأخاف أن يصيبني الله بمرض أخطر فأكون مفتضحًا بين الناس, وأيضا هناك صلوات كثيرة تركتها، وهناك أيام من رمضان لم أصمها, ولكني لا أعلم عددها تمامًا فكيف أقضيها؟
وقد قررت أن أعفي لحيتي, وأن لا أترك الصلاة, ونويت العمرة والزواج في هذه السنة الجارية, فادعوا لي الله أن يتقبلها مني, وأن يسدد خطاي لما نويته.
أحبتي في الله: إنني في وقت عصيب جدًّا جدًّا، فادعوا لي الله أن يغفر لي ما قدمت وما أخرت, وأن يعافيني, وأن يسترني, ويرحمني رحمة من عنده.
جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحمد لله الذي تاب عليك من هذا الإثم العظيم، وعليك أن تمضي في طريق الاستقامة, وتحافظ على الطاعات, فتفعل الواجبات وتترك المحرمات, وينبغي أن تكثر من فعل المستحبات، واعلم أن الحسنات يذهبن السيئات، واعلم أن توبتك إذا كانت توبة صادقة نصوحًا فإن الله تعالى يقبلها بمنِّه وكرمه ورحمته, ويمحو عنك الذنب مهما كان عظيمًا, فإنه سبحانه يقول: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ {الشورى:25}، ويقول سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له, ولعل ما ابتلاك به الله سبحانه كان من رحمته بك, ولطفه بك لتتوب إليه وتقبل عليه، فأحسن ظنك بربك, واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، فلا تفكر في غد, ولا تخش من أن يبتليك الله تعالى بهذا المرض مرة أخرى أو بغيره, بل وطن نفسك على التسليم لحكم الله, والرضا بقضاء الله, عالمًا أن الله تعالى لا يقضي لعبده المؤمن قضاء إلا كان خيرًا له, وأنه سبحانه أرحم بعبده من الأم بولدها, وأنه سبحانه أعلم بمصالح عبده, وأقدر على إيصالها إليه، فعلق قلبك به, وتوكل في جميع أمورك عليه، واحرص على الأخذ بأسباب الثبات على الاستقامة من صحبة الصالحين, وإدامة ذكر الله تعالى ودعائه, والتضرع له بالتثبيت على الحق والدين، نسأل الله أن يثبتنا وإياك على الحق حتى نلقاه.

وأما ما تركته من الصلوات: فيجب عليك قضاؤه عند جمهور العلماء، وانظر الفتوى رقم: 128781, وكذا يجب عليك قضاء ما أفطرته من أيام في رمضان, مع وجوب التوبة النصوح إلى الله تعالى.

وإن كنت لا تعلم عدد ما يلزمك قضاؤه من الأيام والصلوات فإنك تتحرى, فتقضي ما يحصل لك معه اليقين, أو غلبة الظن ببراءة الذمة، ولبيان كيفية القضاء انظر الفتوى رقم: 70806.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني