الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موجبات راحة النفس وطمأنينة القلب

السؤال

لا أعرف كيف أبدأ! لكني مخنوقة جدا، مسائل كثيرة أريد أن أغيرها ولا أستطيع. حاليا تخرجت من جديد، إحساسي أني أموت كل يوم بصدق، في البيت ملل، روتين، لا أريد أن أقوم من النوم؛ لأني أعرف اليوم قبل أن أعيشه، روحي ليست موجودة، كل أصحابي ابتعدوا عني من إهمالي، يمكن أن يمر شهر دون أن أسأل عن أحد منهم. حاليا أنا وحيدة تماما، لا أصحاب، ولا أهل أصلا.
كل حياتي على النت، حياة افتراضية، أصحاب افتراضيون من النت.
حتى في هذا اليوم جاءت فرصة أن أحدا كان يتقدم لي من النت، لكني أرفض، أحس أني لن أقدر على العطاء في أي علاقة.
أنا طيبة، وممتازة والله، وعمري لم أؤذ أحدا، لا أتكلم في الناس، لا أسخر من الناس أو أعيبهم، عندي مبادئ في أشياء من هذا القبيل. لكن ليست عندي إرادة، أحس أني ميتة، لا أعرف أن أفكر! لا أفهم الناس، لا أفهم هذا الإنسان تصرف معي بهذا الشكل لماذا؟ قال لي كذا. ماذا يقصد؟ أكون محتاجة لشخص يفسر لي !!!!!! يا ترى هل هذا توحد !!؟
أحس أن مخي صغير جدا، وتافهة، لست في مستوى سني، هبلة هبلة بجد.
أتمنى أن أموت وأستريح. ادعو لي ربنا يتوفاني، أو يتغير تفكيري، ينضج، أكون محبوبة لي نشاطات، ومبرر لوجودي.
أنا مغلق علي بشكل رهيب، عندما أذهب إلى الشارع الذي خلفنا، تتصل علي أمي، ستين مرة، ولو لم أرد تقلق، وتصوت في الهاتف، أحببت أن أذهب في قوافل لجمعية رسالة تطوع، غير راضية رغم أنه سيكون معي واحدة عرفتها في دورة حديثا. بدون فائدة.
أنا أموت، وأريد أن أموت، والله العظيم حزينة، موت، إحساس لا يوصف بالعجز والوحدة والفشل.
لماذا الانسان يعيش في الدنيا وهو لا يحب أن يعيش فيها! لماذا ربنا لا يسمح لنا أن نموت؟ أنا أتعذب لماذا ولدت أصلا! ليس لي أي ضرورة، غير أني أجلس مع أمي لأنها تخاف أن تجلس وحدها. وهذا يجعلني أفعل أي مشوار في الصبح قبل أن تأتي من العمل. آخر الساعة 2 الظهر لكي تجد أحدا في البيت، هــــم، وحاجات عجيبة.
أنتم لن تروا أحدا هكذا أبدا، أنا ظاهرة نادرة الوجود، تخلف غير موجود.
أجرب وأحاول وأنزل فاشووووووش. أريد أن أدخل نشاطات أجد قيود أمي. أتمنى أن أفتح غاز البوتجاز وأغلق كل منافذ البيت لغاية ما أموت.
أتمنى أن أستريح، أتمنى أن أتغير، أتمنى حياة جديدة، نفسي في أمل، أتمنى أن أحيا أو أن أموت؟ أتمنى أن أفهم الحياة والناس، وأن يكبر مخي وتفكيري، وأكون إنسانة واعية كبيرة مثل سني " أنا حتى لم تنبت لي ضروس العقل لغاية الآن " !!!!
أتمنى أن أسمن، لكن للأسف أنحف زيادة.
في النهاية يظهر أني محتاجة دكتور نفسي، لكن يا ترى هل سأجد حلا ؟!!!
ادعو لي من قلبكم أنا يمكن أتعذب أكثر مما لو كنت أحارب، لأني أحارب نفسي، وأموت كل يوم في عيني، وأشفق على نفسي.
جزاكم الله خيرا أنكم تتحملون أمثالنا.
أرجو الرد في أسرع وقت.
شكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا نرى مسوغا لكل هذا الضجر والتسخط، فالظاهر من سؤالك أنك بفضل الله في عافية، وقد أنعم الله عليك بنعم عظيمة، وعافاك من كثير من البلايا، ولو تفكرت في نعمة واحدة من تلك النعم لشعرت برحمة الله وكرمه وإنعامه عليك، وأحسست بالتقصير في شكر تلك النعم، فتفكري في نعم الله عليك، وانظري حولك في من حرم بعض هذه النعم، وابتلاه الله بشيء من الضر في بدنه أو ماله أو أهله، واشكري الله قلبا ولسانا وعملا، وإياك واليأس فالمؤمن لا ييأس أبداً، فاحذري من كيد الشيطان، وأن يلقي في قلبك اليأس، وأحسني الظن بالله، وفوضي أمرك إليه، فهو سبحانه أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا، وأعلم بمصالحنا من أنفسنا، واعلمي أنّ التفاؤل من صفات المؤمن، وهو شعور يمنح الإنسان طاقة نفسية تجعله قادراً على مواجهة الصعاب، والتغلب على المشكلات. وهو ينبع من حسن ظنه بالله تعالى، وثقته به، وتوكله عليه؛ وراجعي الفتوى رقم: 124844
واستعيني بالله ولا تعجزي، واعلمي أنه لا كاشف للضرّ إلّا الله، ولا راحة للقلب، ولا طمأنينة للنفس إلا في ظلّ طاعة الله، فلا تلتمسي الراحة والسعادة في كثرة خروجك، أو تحررك من بعض قيود البيت، فهيهات هيهات أن يجد العبد طعم الراحة إلا في ظل طاعة الله عز وجل والقرب منه.

قال ابن القيم (رحمه الله): فَفِي الْقَلْبِ شَعَثٌ، لَا يَلُمُّهُ إِلَّا الْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ. وَفِيهِ وَحْشَةٌ، لَا يُزِيلُهَا إِلَّا الْأُنْسُ بِهِ فِي خَلْوَتِهِ. وَفِيهِ حُزْنٌ لَا يُذْهِبُهُ إِلَّا السُّرُورُ بِمَعْرِفَتِهِ وَصِدْقِ مُعَامَلَتِهِ. وَفِيهِ قَلَقٌ لَا يُسَكِّنُهُ إِلَّا الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ، وَالْفِرَارُ مِنْهُ إِلَيْهِ. وَفِيهِ نِيرَانُ حَسَرَاتٍ: لَا يُطْفِئُهَا إِلَّا الرِّضَا بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَقَضَائِهِ، وَمُعَانَقَةُ الصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ إِلَى وَقْتِ لِقَائِهِ. وَفِيهِ طَلَبٌ شَدِيدٌ: لَا يَقِفُ دُونَ أَنْ يَكُونَ هُوَ وَحْدَهُ مَطْلُوبَهُ. وَفِيهِ فَاقَةٌ: لَا يَسُدُّهَا إِلَّا مَحَبَّتُهُ، وَالْإِنَابَةُ إِلَيْهِ، وَدَوَامُ ذِكْرِهِ، وَصِدْقُ الْإِخْلَاصِ لَهُ. وَلَوْ أُعْطِيَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لَمْ تَسُدَّ تِلْكَ الْفَاقَةَ مِنْهُ أَبَدًا. مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين.

فأقبلي على ربّك، وجدّدي التوبة إليه، وتضرعي إليه، واحرصي على الرفقة الصالحة، وسماع المواعظ النافعة، مع كثرة الذكر والدعاء، فإنّ الله قريب مجيب، واحرصي على ما ينفعك، واجتهدي في تحصيل الأسباب التي تحميك من ضيق الصدر وكآبة النفس. وهي مبينة في الفتاوى أرقام:118940، 26806، 50170.
وللفائدة ننصحك بالتواصل مع قسم الاستشارات النفسية بالموقع .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني