السؤال
لدي تساؤل عن صحة حديث الوزغ ونصه: عن سائبةَ مولاةِ الفاكهِ بنِ المغيرةِ أنَّها دخلت على عائشةَ - رضِي اللهُ عنها - فرأت في بيتِها رمحًا موضوعًا، فقالت: يا أمَّ المؤمنين, ما تصنعين بهذا؟ قالت: أقتُلُ الأوزاغَ، فإنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبرنا: أنَّ إبراهيمَ عليه السَّلامُ لمَّا أُلقِي في النَّارِ لم تكُنْ دابَّةٌ في الأرضِ إلَّا أطفأتِ النَّارَ عنه غيرَ الوزغِ، فإنَّه كان ينفُخُ عليه، فأمر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقتلِه" فهل الحيوانات مخيرة أم مسيرة؟ وهل الإثم يتوارث من فاعله إلى سلالته؟ فما تعلمته أن الحيوانات مسيرة, وأن الإثم يقع على فاعله فقط, وفي هذا الحديث يكون الوزغ مخيرًا, وإثم ما فعله مع سيدنا إبراهيم عليه السلام ينتقل إلى بقية الأوزاغ - مهما تباعدت البقاع والأزمان - فإذا كانت الحيوانات مخيرة, والإثم يتوارث, فما هو الدليل على ذلك؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي, فهل يمكن التشكيك في صحة الحديث؟ مع ملاحظة أن السؤال يتعلق بالحديث الذي يوضح علة قتل الوزغ فقط, وليس ببقية الأحاديث التي تنص على ذلك بدون علة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعلة في الأمر بقتل الأوزاغ تستفاد مما في الصحيح؛ فهو أصح، فعن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للوزغ: فويسق، ولم أسمعه أمر بقتله. وزعم سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله. رواه البخاري.
وحديث سعد رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ, وسماه فويسقَا.
قال النووي في شرح مسلم: أما تسميته فويسقًا, فنظيره الفواسق الخمس التي تقتل في الحل والحرم، وأصل الفسق: الخروج، وهذه المذكورات خرجت عن خلق معظم الحشرات ونحوها بزيادة الضرر والأذى. اهـ.
قال ابن حجر في فتح الباري: جاء عن عائشة من وجه آخر عند أحمد وابن ماجه أنه كان في بيتها رمح موضوع, فسئلت فقالت: نقتل به الوزغ, فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن إبراهيم لما ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة إلا أطفأت عنه النار إلا الوزغ فإنها كانت تنفخ عليه, فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها. انتهى.
والذي في الصحيح أصح، ولعل عائشة سمعت ذلك من بعض الصحابة, وأطلقت لفظ أخبرنا مجازًا، أي: أخبر الصحابة اهـ.
فالعلة هي الأذى، قال النووي في موضع آخر: اتفقوا على أن الوزغ من الحشرات المؤذيات .. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله, وحث عليه, ورغب فيه لكونه من المؤذيات اهـ.
وهذا يعني أنها تقتل, ولو لم تنفخ النار على الخليل إبراهيم ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ وعلى ذلك فالرواية التي ثبت فيها ذلك جاءت بيانًا لحكمة زائدة ومناسبة أخرى، قال القاري في المرقاة: قال القاضي ـ يعني البيضاوي ـ : بيان لخبث هذا النوع وفساده، وأنه بلغ في ذلك مبلغًا استعمله الشيطان، فحمله على أن نفخ في النار التي ألقي فيها خليل الله - عليه الصلاة والسلام - وسعى في اشتعالها، وهو في الجملة من ذوات السموم المؤذية, قال ابن الملك ـ يعني الخطابي ـ: ومن شغفها إفساد الطعام, خصوصًا الملح، فإنها إذا لم تجد طريقًا إلى إفساده ارتقت السقف وألقت خرأها في موضع يحاذيه. اهـ.
وقد جاءت آثار وأقوال أخرى لبعض أهل العلم في هذه المسألة، منها ما رواه ابن الجعد في مسنده والبغوي في شرح السنة، من طريق نافع عن ابن عمر، أنه كان يأمر بقتل الوزغ ويقول: "هو شيطان". ورواه عبد الرزاق في مصنفه ـ وعنه ابن حزم في المحلى ـ من طريق مجاهد، عن ابن عمر قال: "اقتلوا الوزغ، فإنه شيطان".
وأورد عبد الحق الأشبيلي في الأحكام الشرعية الكبرى بإسناد البزار من طريق يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعًا: الوزغ شيطان. قال البزار: وهذا الحديث لا نعلم أحدًا أسنده إلا يونس. اهـ.
ومعنى ذلك أن فيه تمرد الشياطين, وبعدهم عن الخير والنفع، قال ابن كثير في تفسيره: الشيطان مشتق من البعد على الصحيح؛ ولهذا يسمون كل ما تمرد من جني وإنسي وحيوان شيطانًا. اهـ.
وقال النفراوي في الفواكه الدواني: إنما خص - عليه الصلاة والسلام - في قتل الوزغ لما قيل من أن الوزغة كانت يهودية مسخها الله تعالى لكونها كانت تنفخ النار التي أحرقت بيت المقدس أو نار إبراهيم الخليل .. وقيل: لأنها من ذوات السموم؛ حتى قال إنها أكثر سمًّا من الحية. اهـ.
والخلاصة: أن العلة في قتل الوزغ كونه مؤذيًا ضارًا, ثم يضاف إلى ذلك خبث نوعه وفساده وشيطنته, وراجع الفتوى رقم: 2669.
وعلى ذلك؛ فليس هناك علاقة بين هذا الحكم وبين كون الحيوان مخيرًا أو مسيرًا، ولا بين ذلك وبين مسألة توارث الإثم من فاعله إلى سلالته!
والله أعلم.