السؤال
لي صديقة تغيرت علينا وكانت تكثر من سبنا وتحاول الظهور على أنها الأفضل، واستمرت على هذه الحال لمدة شهرين ونحن لا نرد عليها علها تعود كالسابق، لكننا تشاجرنا معها، وسامحتها صديقاتي، لكنني لم أسامحها مباشرة لمشاكل بيني وبينها، وبعد شهر ونصف سامحتها وعدت معها كما كنت ولم أحمل عليها حقدا، لكنها أصبحت تحاول سبي سرا أي أنها لا تسبني بلفظ صريح وتحاول جرحي وأظن أنها تحقد علي فصبرت وصمتت ولم أخبر صديقاتي، وبعد فترة لم أعد أستطيع تحملها وبدأت أتجاهلها وما زلت أسلم عليها، لاحظت تغير صديقاتي علي وكذلك علمت أنها قد أخبرتهم بتجاهلي لها، لكن صديقاتي لم يعلمن بما فعلته لي وتغيرت علاقتي معهن وتغير أسلوبهن معي وأصبحت أشعر بأنهن يجاملنني فهن على ظن أنني المخطئة في حقها، ولم أعد أسلم عليها ولا أتحدث معها وتشاجرت مع صديقتي الأخرى وأصبحت أكرههن جميعا لأنهن صدقنها من دون أن يسألنني ما الذي حدث لي معها، مع العلم أنهن لم يتغيرن عليها عندما تشاجرت معي في المرة الأولى، وسؤالي: هل يجوز لي هجرها وقطع علاقتي معها؟ بما أنها أفسدت الذي بيني وبينها وبين صديقاتي، وقد قالت لصديقتي إنني إن قلت ما هو سبب تجاهلي لها فقد تعتذر لكنها تعلم بأن صديقاتي سوف يرين أن سببي غير مقنع، لأنهن لا يبالين بالسب، وأنا على يقين أنها قالت هذا الكلام فقط لتفهمهن أنها طيبة وخلوقة!! وهل يجوز لي ترك صديقاتي أم يجب علي السلام عليهن؟ فقد كرهتهن وقد تغيرن علي وأنا لم أخطئ، وهل يجوز لي الدعاء عليها، لأنني مظلومة ولم أخطئ في حقها وقد فرقت بيني وبين أعز صديقاتي؟ وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نهى الشرع عن التدابر والهجران، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث. صحيح مسلم.
وعليه، فلا يجوز لك هجر هذه الفتاة أو غيرها فوق ثلاثة أيام، إلا إذا كانت صحبتها تضرك في دينك أو دنياك، قال ابن عبد البر رحمه الله: وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث إلا أن يكون يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه، فإن كان ذلك فقد رخص له في مجانبته وبعده، ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية.
مع التنبيه إلى أن الجمهور لا يشترطون لزوال التهاجر الرجوع إلى الحال الأول قبل التهاجر، وإنما يزول التهاجر بمجرد السلام، قال ابن حجر: قال أكثر العلماء: تزول الهجرة بمجرد السلام وردّه، وقال أحمد لا يبرأ من الهجرة إلا بعوده إلى الحال التي كان عليها أولاً، وقال أيضا: ترك الكلام إن كان يؤذيه لم تنقطع الهجرة بالسلام، وكذا قال بن القاسم.
واعلمي أن ما تجدينه في صدرك نحو هذه الفتاة أو غيرها من صديقاتك قد يكون من نزغات الشيطان، فإنّ من أعظم مقاصد الشيطان إيقاع العداوة بين المسلمين وحصول التدابر والتباغض بينهم، ولذلك أرشد القرآن العباد أن يقولوا في تخاطبهم وتحاورهم الكلام الحسن الطيب حتى لا يدعوا مجالاً للشيطان ليفسد بينهم، قال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا {الإسراء:53}.
ولا ريب أنّ مقابلة السيئة بالحسنة مما يجلب المودة ويقي شر نزغات الشيطان، قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ { فصلت:34}.
كما أنّ المبادرة بالكلام الطيب ولو تكلّفا مما يذهب الأحقاد ويجلب المحبة، قال الغزالي: بل المجاملة تكلّفا كانت أو طبعا تكسر سورة العداوة من الجانبين، وتقلّل مرغوبها، وتعوّد القلوب التآلف والتحاب.
واعلمي أنّ في العفو عن المسيء خيراً عظيما وأنه يزيد صاحبه عزاً وكرامة، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ..وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا.
وهو سبيل لنيل عفو الله ومغفرته، قال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور:22}.
والله أعلم.