السؤال
كنت أنا وزوجتي في السيارة، في طريقنا إلى المنزل ليلا، ثم حصل بيني وبين زوجتي خلاف كبير، واشتد الخصام، وطال السباب، وجعلتني أغتم بعنادها، وتجاهلها لي. شعرت بالألم والحسرة. أوقفت السيارة ونزلت منها، وذهبت أمشي حتى ابتعدت، ثم عدت، فزاد الخصام حدة. فبدأت أضربها ضربا شديدا، وهي تبكي وتصرخ، وأنا أصرخ عليها بصوت عال، حتى آلمني حلقي، وكنت أضرب المقود والزجاج بقوة، وأحسست بتشنج عضلات جسمي، والصداع، والألم في محجري عيني من شدة القهر. ثم مرت بي لحظات شعرت خلالها وكأنما حصل لي مثل الغفوة أو الانفصال عن الواقع. ثم استفقت وأنا مرعوب حيث إنه حصل لي إحساس مثل الحلم بأنني نطقت بالطلاق، وكررت النطق، لكنني لست متأكدا من ذلك، فسرت في جسدي رجفة خوفا من أنني ربما قد طلقت، فنظرت في زوجتي وقد اشتد حنقي عليها لأنها ربما قد دفعتني للنطق بالطلاق، وتسببت في هدم زواجنا. فسألتها: (هل سمعت كلمة طالق مني؟ ) فقالت حالا: (نعم) ثم استدركت وقالت: ( لا، لا ما سمعت، مدري كأنني سمعت أول حرفين "طا" ) فغضبت، وأصابني الحزن، وعدت أضربها بقوة، وأبكي ودموعي تنساب على خدي، وأنا أقول لها: (لماذا أجبرتني أسوي كذا وتخربين بيتنا) وكانت تبكي وتتوسل لكي أتوقف عن ضربها. بعد ذلك سرى في جسمي فتور غريب، وتعب، وإرهاق وما عدت أستطيع حتى الحراك، فثبت في مقعدي حتى هدأت واستعدت شيئا من قوتي، فسرت بالسيارة إلى منزلنا ولم أكلمها، ودخلنا البيت، ونمت بعد أن تمكن مني التعب، ونامت هي أيضا. وفي صباح اليوم التالي اعتذرنا من بعضنا، وأصلح الله بيننا، وهدأت الأمور. فسألتها مجددا: (هل سمعتني البارحة تلفظت بالطلاق) فقالت: (لا أدري، فقد كان الجو صاخبا، ومليئا بالضرب، والصراخ، والبكاء، واختلطت علي الأمور، لكن فيما يظهر لي أنني سمعت أول حرفين "طا" فقط) فكررت عليها السؤال: (هل سمعت مني كلمة الطلاق كاملة) فقالت:(لا) وظللت أكرر عليها الأسئلة مرارا، لكن إجابتها هي نفسها لم تتغير أبدا في كل مرة. ومن كلام زوجتي عن هذه الحادثة فيما بعد وصفها لي بأنني كنت مثل الوحش الكاسر، وتشعر بالرعب الشديد من نظراتي.
حاولت جاهدا وبصدق أن أتثبت من إحساسي الذي حصل داخلي (بأنني تلفظت بالطلاق) لكن لم أستطع، وتولدت في داخلي شكوك كثيرة، وحيرة عذبتني: هل منشأ هذا الإحساس هو سماعي لنفسي أتلفظ به دون وعي مني ولا قصد أم إنه يخيل إلي؟
حاولت أن أسترجع تفاصيل تلك اللحظات التي شعرت فيها بنوع من فقد الإدراك وما دار فيها، لكن دون جدوى وكأنها مثل الحلم. لا أدري فلست متيقنا من شيء، ربما قد تلفظت به وربما لم أتلفظ. لا أستطيع أن أجزم بشيء ولا أن أنفي شيئا.