السؤال
أريد رأيكم الشرعي في الحكم بالتقييد العام في الزواج، وعدم الحكم بالظاهر عند تزويج النساء في ليبيا على الرغم من الأحاديث الكثيرة في عملية الحكم على الناس بظاهر أمورهم.
هذه فتوى الشيخ:
تقييد الزواج. والحكم بالظاهر !
بسم الله الرحمن الرحيم
المصلحةُ تقتضي أن يُعان النساءُ والرجالُ على الإحصان والاستعفافِ بالزواج، فذلك مِن مقاصدِ الشرعِ الحنيف، باتفاقِ المسلمين.
فحقّ النساءِ والرجالِ في الزواج مشروعٌ دون شكّ، بل قد يكونُ في حقّ البعض واجبًا، ولا يحق لأحد منعهم في الظروفِ المعتادةِ مِن هذا الحقّ، أو أن يقيّده دون سببٍ وجيهٍ، وعلى الدولةِ أن تُعين على تحصيلِ هذا المقصدِ الحياتيّ للناس، وتمهدَ سبلَه، وتُعين عليه بكل الوسائل الممكنةِ، ومِن أهمّها توفيرُ المسكن، ببناءِ البيوت، وبيعها بالتقسيطِ، وإعطاء القروضِ السكنية الخالية مِن الربا.
فإن العقبةَ الكؤودَ في طريق الزواجِ ليسَ الوقف المؤقت للزواجِ من الأجانبِ، وإنما هو عدمُ قدرة الشبابِ الليبي على تحصيلِ بيتِ الزوجية.
أما إن كانَ هناك سببٌ حقيقيّ لتقييدِ الزواج، كما هو الحالُ في ليبيا الآن، فالتقييدُ متعينٌ، فقد وجدَ بعضُ أولياء الأمورِ أنفسهم قد زوّجوا بناتهم لبعضِ المنتسبين إلى الإسلامِ، وهم ليسوا في الواقعِ مسلمين، كالقاديانية، والباطنية، والدّروز، والرافضة، وغيرهم، وإن قالوا: لا إله إلا الله، فقد يقول من يدعي الإسلام: لا إله إلا الله، ولا يكون مسلما، كأن يعتقدَ نبوةَ أحدٍ بعد محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - أو إباحةَ الصلاةِ مِن غير وضوءٍ، أو ينكرَ القرآنَ، أو شيئا من عبادات الإسلام، فمثلًا لو استهزأَ أحدٌ بدين الإسلامِ، أو بالَ على الكعبة، وهو يقولُ لا إله إلا الله، هل يكونُ مسلما؟!!
والقول بأن من يأتي من بلد آخرَ ويقولُ إنه مسلم، لا يحقّ لنا أن نمنعَه من الزواج، بحجةِ أنّنا أُمِرنا أن نحكمَ بالظاهر، هذا كلامُ مَن لا يُقدِّر الأمر قدره، ومَن لا يعلم ما يخرج من رأسه، لأننا نعلمُ أن جميع دروز سوريا مكتوب في أوراقهم الثبوتية (الديانة مسلم)!!
وكذلك الأحمدية الذين يدَّعون النبوة، والرافضة، والباطنية. وكل هذه الفرق ترجع إلى المذهب الباطني، الذي من أصول معتقده التستر والكتمان، والتّقيّة - أي: استحلالُ الكذب في سبيل المبدأ - فلو أّخذتَ بالظاهر وزوجت ابنتك درزيا أو قاديانيا، ثم عرفت أنّ مِن معتقده تّأليه إمامه، وإنكار النبوةِ والقرآن، ماذا ستصنع ؟!!
فالوقف متعين عندما يختلط الأمر، حمايةً لبناتِ المسلمين وأعراضهن، وذلك حتى تُضبطَ الأمور، ويُوضعَ حدّ للتزوير، وتتوفرَ قاعدةُ بياناتٍ يمكن الاطمئنان إليها.
وليس من حرجٍ على وليّ الأمر أن يقيدَ المباح، إذا خُشي منهُ وقوعُ مفسدة عامةٍ كهذه.
فقد قيدَ عمر - رضي الله عنه - الزواجَ لسببٍ أخفّ من هذا، ومنعَ بعض قواده من الزواجِ بالكتابيات، وقد أحله الله تعالى في قوله: (وَالْمُحْصَنَـاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ مِن قَبْلِكُمْ)، فقال له حذيفةُ - ليقيم عليه الحجة -: أحرام هو؟ قال: لا، ولكن أخشى أن تُواقِعوا المُومِساتِ.
وإني أقولُ: الزواجُ بالمسلمين من غيرِ الليبيّين ليس حرامًا، ولكن أخشى أنْ تقَعوا في عِصمةِ الكوافِرِ.
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
السبت 18 جمادى الأولى 1434هـ
الموافق 30 مارس 2013م
http://tanasuh.com/online/leadingarticle.php?id=5280