الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا حرج في فسخ العقد قبل الدخول لكون الزوج يفرط في الصلاة

السؤال

تم العقد عليّ, لكن الدخول لم يتم, وقد اخترته لدينه, وحين سألت أخته عن مدى تدينه قبل الخطبة قالت لي: إنه محافظ على الصلوات منذ أن كان في سن الخامسة عشرة, أما الآن - بعد الخطبة والعقد - فقد عرفت حقيقة كذبهم عليّ, حيث إنه أغلب الأوقات لا يصلي أبدًا, وإذا صلى فإنه يصلي ليلًا بأن يجمع كل الصلوات مع بعضها, حتى أنه لا يذهب للمسجد لصلاة الجمعة, بل يبقى في محل صديقه الذي يعمل عنده, وعندما أتصل به كي أرى إن كان في المسجد أم لا – أي: أختبره وقت الصلاة - أجده يرفع السماعة, ويريد الخوض في أمور أخرى, وعندما أقول له: لم لا تذهب للمسجد, فصلاة الجمعة قد أقيمت!؟ يصرخ بأعلى صوته, ويقول لي: ما دخلك بيني وبين ربي!؟ فربي هو الذي يحاسبني, وليس أنتِ, ويقول لي: حتى العمل عبادة أيضًا, وأنا في المحل, فأنا في عبادة, وقد حاولت إصلاحه لمدة عام تقريبًا دون جدوى, فهو طماع, ساخط, وأريد الطلاق قبل الدخول, فهل أنا آثمة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا حرج عليك في طلب الطلاق، لا سيما إذا استفرغت وسائل النصح، ولم تجِد معه، ولعلك تستعينين في نصيحته ببعض أصدقائه، أو بعض الصالحين، وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 114009.

وأما مقولة: "العمل عبادة " فلا بد لها من ضوابط، تجدينها في الفتاوى: 28532، 53711، 71175.

وأخيرًا: هذه نصيحة لزوجك عساه يمتثل، وما ذلك على الله ببعيد؛ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) {سورة الجمعة: 9-11}. قال ابن كثير: وَقَوْلُهُ: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} أَيِ: اسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَاتْرُكُوا الْبَيْعَ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ؛ وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى تَحْرِيمِ الْبَيْعِ بَعْدَ النِّدَاءِ الثَّانِي, وَاخْتَلَفُوا: هَلْ يَصِحُّ إِذَا تَعَاطَاهُ مُتَعَاطٍ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أَيْ: تَرْكُكُمُ الْبَيْعَ وَإِقْبَالُكُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَإِلَى الصَّلَاةِ خيرٌ لَكُمْ، أَيْ: فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.

وَقَوْلُهُ: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} أَيْ: فُرغ مِنْهَا، {فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} لَمَّا حَجَر عَلَيْهِمْ فِي التَّصَرُّفِ بَعْدَ النِّدَاءِ وَأَمَرَهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ، أَذِنَ لَهُمْ بَعْدَ الْفَرَاغِ فِي الِانْتِشَارِ فِي الْأَرْضِ, وَالِابْتِغَاءِ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ, كَمَا كَانَ عرَاك بْنُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أجبتُ دعوتَك، وصليتُ فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فَارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ، وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

وَرُوِي عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ بَاعَ وَاشْتَرَى فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، بَارَكَ اللَّهُ لَهُ سَبْعِينَ مَرَّةً؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}

وَقَوْلُهُ: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أَيْ: حَالَ بَيْعِكُمْ وَشِرَائِكُمْ، وَأَخْذِكُمْ وعَطَائكم، اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَلَا تَشْغَلْكُمُ الدُّنْيَا عَنِ الَّذِي يَنْفَعُكُمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني