السؤال
عند ما يصل الشخص إلى مرحلة من الإيمان بحيث إنه عندما يغضب غضبا شديدا، ويتذكر أن الله لا يحب ذلك، ينطفئ غضبه كأن ماء قد أطفأ نارا، ويبتسم في وجه الغضبان عليه ويقول له: الله يسامحك. يكون قد وصل إلى أعلى الإيمان أم ليس هنالك ما يسمى أعلى الإيمان أي إنه ليس هنالك حد معين للإيمان يصل إليه الشخص ويتوقف الإيمان حينئذ عن الزيادة، أي إن الإيمان غير متنهاه ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
لا شك أن من ملك نفسه عند الغضب، قد وصل في هذا الموضع إلى درجة من الإيمان عالية؛ قال تعالى: فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) سورة الشورى. فوصف المؤمنين بأنهم يغفرون عند الغضب.
وأما أعلى درجات الإيمان، فلا يمكن القول بأن هذا الشخص قد وصل إليها؛ لأن الإيمان يزيد وينقص؛ وراجع الفتاوى أرقام: 132163، 131762، 131831
وأما أنه إذا وصل إلى حد معين، توقف عن الزيادة، فلا دليل على ذلك، بل أفضل الخلق، كلما ازدادوا عملاً صالحاً، ازدادوا إيماناً، قال تعالى: وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) سورة الأنفال.
فلا يزال العبد يزداد إيماناً بازدياد الصالحات، لا يتناهى ذلك في حقه، كلما عمل صالحاً (وعمل الصالحات لا ينحصر) ، كلما ازداد إيماناً.
قال السعدي-رحمه الله- في "التوضيح والبيان لشجرة الإيمان ": ولهذا كان المؤمنون ثلاث مراتب: مرتبة السابقين، ومرتبة المقتصدين، ومرتبة الظالمين. وكل واحدة من هذه المراتب أيضا، أهلها متفاوتون تفاوتا كثيرا. والعبد المؤمن - في نفسه - له أحوال وأوقات تكون أعماله كثيرة قوية، وأحيانا بالعكس. وكل هذا من زيادة الإيمان ونقصه، ومن قوته وضعفه. وكان خيار الأمة، والمعتنون بالإيمان منهم - يتعاهدون إيمانهم كل وقت ويجتهدون في زيادته وتقويته، وفي دفع المعارضات المنقصة له، ويجتهدون في ذلك، ويسألون الله أن يثبت إيمانهم، ويزيدهم منه، من علومه وأعماله وأحواله. فنسأل الله: أن يزيدنا علما ويقينا، وطمأنينة به وبذكره، وإيمانا صادقا. وخيار الخلق - أيضا - يطلبون ويتنافسون في الوصول إلى عين اليقين، بعد علم اليقين، وإلى حق اليقين. كما قال الله عن إبراهيم عليه السلام:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سورة البقرة: 260] ،وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [سورة الأنعام: 75] . والحواريون خواص أتباع المسيح ابن مريم - حين طلبوا نزول المائدة، ووعظهم عيسى عن هذا الطلب - {قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ} [سورة المائدة: 113] . فذكروا حاجتهم الدنيوية، وحاجتهم العلمية الإيمانية إلى ذلك. انتهى.
ولذا كان خيار المؤمنين يسألون الله زيادة الإيمان.
قال ابن حجر: وَفِي الْإِيمَانِ لِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عبد الله بن عكيم، عَن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ زِدْنَا إِيمَانًا، وَيَقِينًا، وَفِقْهًا. وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وروى الطبراني في الدعاء عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا رَأَى جَنَازَةً قَالَ: «هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ زِدْنَا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا»
والله أعلم.