السؤال
فضيلة الشيخ: أنا ناظر على وقف لذرية ـ أي خاص بذرية المُوقف المحتاجين ـ وحيثُ إنه أحياناً تكون لدي مبالغ فائضة مدة من الزمن، فما حكم تنميتها والاتجار بها؟ وما حكم أخذ نسبة على تنميتها؟.
فضيلة الشيخ: أنا ناظر على وقف لذرية ـ أي خاص بذرية المُوقف المحتاجين ـ وحيثُ إنه أحياناً تكون لدي مبالغ فائضة مدة من الزمن، فما حكم تنميتها والاتجار بها؟ وما حكم أخذ نسبة على تنميتها؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي فهمناه من قولك: وحيثُ إنه أحياناً تكون لدي مبالغ فائضة مدة من الزمن ـ أن هذا من غلة ـ ثمرة ـ الوقف فليست المبالغ وقفاً، ولكنها حق الذرية الموقوف عليها، وعليه، فالواجب دفعها إليهم، فإن أردت استثمارها لهم، فلا بد من إذن المكلف منهم، وإذن ولي، أو وصي غير المكلف، كشأن أي مال خاص، ليس لك استثماره إلا بإذن صاحبه، فإذا أذنوا جاز تنميتها، فالوقف كما يقول الحجاوي في الإقناع: وهو تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به مع بقاء عينه بقطع تصرف الواقف وغيره في رقبته، يصرف ريعه إلى جهة بر تقربا إلى الله تعالى.
فالفائض هنا هو الريع، وحكمه ما سبق، ومن صور التنمية أن تتعامل بنسبة من الربح، فهذا عقد مضاربة جائز، وراجع في أحوال الربح في المضاربة الفتوى رقم: 17902.
وأما إن كنت تقصد أخذ شيء لنفسك مقابل تنمية المال، فالجواب أن الواقف إن كان قدر شيئاً فإنه يجوز أخذه، وإلا فإن لم يكن مشهورا بالأخذ على مثل هذا لم يكن له شيء؛ إلا إذا كان فقيرًا فله أن يأخذ ما يحتاج إليه بالمعروف، كما قال الله تعالى: وَمَنْ كَانَ غَنِيًا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيأكُلْ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:6}.
قال الحجاوي في الإقناع: وإن شرط لناظر أجرة فكلفته عليه، حتى يبقى أجرة مثله، وإن لم يسم له شيئا فقياس المذهب إن كان مشهورا بأخذ الجاري على عمله، فله جاري عمله، وإلا فلا شيء له ـ وشرحه البهوتي فقال: وَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ لِنَاظِرٍ أُجْرَةً ـ أَيْ: عِوَضًا مَعْلُومًا ـ فَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ لِقَدْرِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ اخْتَصَّ بِهِ، وَكَانَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْوَقْفُ مِنْ أُمَنَاءَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ أَكْثَرَ فَكُلْفَتُهُ أَيْ: كُلْفَةُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْوَقْفُ مِنْ نَحْوِ أُمَنَاءَ، وَعُمَّالٍ عَلَيْهِ أَيْ: عَلَى النَّاظِرِ يَصْرِفُهَا مِنْ الزِّيَادَةِ حَتَّى يَبْقَى لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ شَرَطَهُ لَهُ خَالِصًا، وَهَذَا الْمَذْكُورُ فِي النَّاظِرِ نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ صَرِيحٌ فِي اخْتِصَاصِ النَّاظِرِ بِهِ، فَتَوَقُّفُ الِاخْتِصَاصِ عَلَى مَا قَالُوا لَا مَعْنَى لَهُ ـ إلَى أَنْ قَالَ: وَصَرِيحُ الْمُحَابَاةِ لَا يَقْدَحُ فِي الِاخْتِصَاصِ بِهِ إجْمَاعًا، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْوَاقِفُ لَهُ أَيْ: النَّاظِرِ شَيْئًا فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ إنْ كَانَ مَشْهُورًا بِأَخْذِ الْجَارِي أَيْ: أَجْرِ الْمِثْلِ عَلَى عَمَلِهِ أَيْ: مُعَدًّا لِأَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى عَمَلِهِ فَلَهُ جَارِي أَيْ: أُجْرَةٌ مِثْلُ عَمَلِهِ، وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا لِأَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى عَمَلِهِ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِعَمَلِهِ، وَهَذَا فِي عَامِلِ النَّاظِرِ، وَاضِحٌ، وَأَمَّا النَّاظِرُ: فَقَدْ تَقَدَّمَ إذَا لَمْ يُسَمَّ لَهُ شَيْءٌ يَأْكُلُ بِالْمَعْرُوفِ.
وراجع للفائدة الفتويين رقم: 49910، ورقم: 69068.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني