السؤال
أدرس القرآن لبنات مراهقات في المسجد المجاور لنا، وأيضا أخصص وقتا معهن للمناقشة في الأمور التربوية، والدينية الخاصة بهن ونتحدث عن أمور كثيرة كحرمة الصور، والغناء، وكثرة الاختلاط بالرجال وغير ذلك كثيرا، وهن يستجبن للنصح بسرعة والحمد لله، ولكن في موضوع اللباس قد انتشر في بلادنا البنطال وغيره مما حرم الله، ومنهن من تلبس البنطال.
فهل يجوز لي من باب الدعوة أن أطلب منها أن تغير لبسها إلى جيب (تنورة) واسعة، وعليها حجاب طويل نسبيا، مع أن هذا قد يصف شيئا من جسمها، ولكن ليؤخذ الأمر تدريجيا حتى يسهل عليها أن تلتزم بذلك، مع العلم أني أذكر لهن صفات الحجاب الشرعي، وأن لبس التنورة هذا يكون بصورة مبدئية حتى تعتادي عليها، ثم تلبسين بعد ذلك الازدال أو العباءة الواسعة، كما أن بلدي (مصر) الآن تمر بأزمة شديدة حيث يوجد تضييق شديد جدا على المنتقبات والملتحين. فمن الممكن مثلا في الشارع أن تضرب امرأة؛ لأنها منتقبة، وقد ينزع النقاب من على وجهها، أو تسب بألفاظ قبيحة. وسألتني بنت من هؤلاء البنات تريد لبس النقاب الآن، وأنا أخشى عليها حيث إنها قد تمنع من دخول امتحانات الدراسة وما إلى ذلك من تضييقات، وأبوها يرفض بشدة موضوع النقاب الآن. فصراحة أنا لم أجبها بشيء، وأرجو أن أعلم رأيكم في ذلك وهل لو قلت لها: لا تلبسيه الآن أكون آثمة خاصة أن البنت في بداية طريقها للالتزام، وأخشى أن تخلع النقاب بعد أن تلبسه نظرا للتضييقات الشديدة؟
وأعتذر للإطالة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يسددك، وأن يعينك على مرضاته، واعلمي أن المسلم مأمور بتغيير المنكر قدر وسعه، وتقليل المنكر إلى منكر أخف منه خير من تركه على حاله، فلبس الطالبات للتنورة بدلا عن البنطال لا شك أنه أخف ضررا، فالتنورة أستر من البنطال وأخف إثما، والمهم في ذلك ألا تُفهمي الطالبات أن لبس التنورة أمام الرجال جائز لهن ومأذون به شرعا، فإن الانقياد لحكم الحجاب الشرعي واجب على المسلمات جميعا.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء سؤالا يتعلق بالتدرج في الالتزام بالأحكام، جاء فيه: ما الفرق بين التدرج في تحريم الخمر والأمر بالجهاد، حيث إننا مطالبون بآخر نهي في الخمر، ومطالبون بالاستطاعة في الجهاد؟
فأجابت: بعد اكتمال الدين واستقرار أحكام الشريعة بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أحكام الإسلام تؤخذ بجملتها، ولا يجوز التدرج في الانقياد لأحكامها، كما كان ذلك في أول الإسلام، فالخمر مثلا يجب على كل مسلم أن يعتقد تحريم شربها ابتداء، ومن اعتقد غير ذلك -وهو عالم بتحريمها- فهو مرتد؛ لجحده ما هو معلوم تحريمه بالضرورة من دين الإسلام، وبالأدلة الشرعية، وإجماع أهل العلم. وأما الأوامر الشرعية فإن التكليف بها في الإسلام منوط باستطاعة المكلف، فلا يجب على المكلف من الأعمال ما لا يقدر عليه، أو يسبب له مشقة وحرجا، وكل مسألة بحسبها، فالجهاد مثلا وجوبه على الشخص، وكذلك وجوبه في الأحوال العامة، كل ذلك على درجات حسب البواعث والأحوال، ولا يقال إن هذا من باب التدرج في التشريع، وقد قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه » . اهـ.
وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 65863
وأما لبس الفتاة للنقاب مع وجود المضايقات، ورفض والدها لذلك، فقد فصلنا فيه القول في الفتوى رقم: 65218، والفتوى رقم: 213832.
والله أعلم.