السؤال
بارك الله فيكم على هذا الموقع الرائع، وجزاكم الله خيرا على مجهودكم الجميل، سيدي الفاضل: قال الإمام القحطاني في نونيته:
علم الفلاسفة الغواة طبيعة ... ومعاد أرواح بلا أبدان
لولا الطبيعة عندهم وفعالها ... لم يمش فوق الأرض من حيوان
والبحر عنصر كل ماء عندهم ... والشمس أول عنصر النيران
والغيث أبخرة تصاعد كلما ... دامت بهطل الوابل الهتان
والرعد عند الفيلسوف بزعمه ... صوت اصطكاك السحب في الأعنان
والبرق عندهم شواظ خارج ... بين السحاب يضيء في الأحيان
كذب أرسطاليسهم في قوله ... هذا وأسرف أيما هذيان
الغيث يفرغ في السحاب من السما ... ويكيله ميكال بالميزان
لا قطرة إلا وينزل نحوها ... ملك إلى الآكام والفيضان
والرعد صيحة مالك وهو اسمه ... يزجي السحاب كسائق الأظعان
والبرق شوظ النار يزجرها به ... زجر الحداة العيس بالقضبان
أفكان يعلم ذا أرسطاليسهم ... تدبير ما انفردت به الجهتان
أم غاب تحت الأرض أم صعد السما ... فرأى بها الملكوت رأي عيان
أم كان دبر ليلها ونهارها ... أم كان يعلم كيف يختلفان
أم سار بطلموس بين نجومها ... حتى رأى السيار والمتواني
أم كان أطلع شمسها وهلالها ... أم هل تبصر كيف يعتقبان.
هل من أدلة نبوية عن موضوع الغيث وأن ملكا موكلا عليه؟ والرعد والبرق ماذا يقصد بهما الإمام في كلامه؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فما ذكره الإمام القحطاني في أبياته منه ما دلت عليه السنة الصحيحة كقوله عن البرق إنه شواظ يزجر به السحاب، وأن هناك ملكا موكل بالمطر, ففي مسند أحمد وسنن الترمذي، وصححه الألباني من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَقْبَلَتْ يَهُودُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ؛ أَخْبِرْنَا عَنْ الرَّعْدِ مَا هُوَ؟ قَالَ: مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُوَكَّلٌ بِالسَّحَابِ مَعَهُ مَخَارِيقُ مِنْ نَارٍ يَسُوقُ بِهَا السَّحَابَ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ، فَقَالُوا: فَمَا هَذَا الصَّوْتُ الَّذِي نَسْمَعُ؟ قَالَ: زَجْرُهُ بِالسَّحَابِ إِذَا زَجَرَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى حَيْثُ أُمِرَ، قَالُوا صَدَقْتَ.. إلخ الحديث.
قال ابن عبد البر في الاستذكار: جمهور أهل العلم يقولون: الرعد ملك يزجر السحاب، ويجوز أن يكون زجره لها تسبيحاً، لقول الله تعالى: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد روي عن بعض السلف أقوال لا تخالف ذلك، كقول من يقول إنه ـ أي الرعد ـ اصطكاك أجرام السحاب بسبب انضغاط الهواء فيه، فإن هذا لا يناقض ذلك، لأن الرعد مصدر رعد يرعد رعداً، وكذلك الراعد يسمى رعداً، كما يسمى العادل عدلاً، والحركة توجب الصوت، والملائكة هي التي تحرك السحاب وتنقله من مكان إلى مكان، وكل حركة في العالم العلوي والسفلي فهي عن الملائكة. اهـ.
ومهما كان صوت الرعد ولمعان البرق ناتجاً بسبب خلخلة الهواء وتوزع شحنات الكهرباء الموجبة والسالبة في السحب الناشئة عن دوران البرد ـ كما يقولون ـ أو كان ناشئاً عن اصطكاك أجرام السحاب بسبب انضغاط الهواء فيه أو غير ذلك، فإن ذلك لا يخرجه عن إرادة الله سبحانه وتعالى وقدرته، وأن يكون ذلك بسبب الملك الموكل به، فالمسلم يؤمن بكل ما جاء عن الله تعالى في محكم كتابه، أو ما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم، وما ذكره من أن المطر يكال بالميزان جاء فيه ما رواه ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا مِهْرَان، عَنْ أَبِي سِنَانٍ سَعِيدُ بْنُ سِنَانٍ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَمْ تَنْزِلْ قَطْرَةٌ مِنْ مَاءٍ إِلَّا بِكَيْلٍ عَلَى يَدَيْ مَلَكٍ... اهـ.
وأما أن كل قطرة من المطر ينزل معها ملك: فإننا لم نقف على حديث مرفوع بذلك، ولكن ذكرته بعض كتب التفسير بدون سند عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ من قوله، فالله أعلم بذلك.
وقد قال الإمام البغوي في تفسيره: ويقال: لا تنزل من السماء قطرة إلا ومعها ملك يسوقها حيث يريد الله عز وجل ويشاء. اهـ.
والله أعلم.