الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرًا على تحريك الصواب، وحرصك على الخير, وبارك الله فيك, وأعانك, ووفقك لما فيه صلاحك في معاشك ومعادك.
وأما ما سألت عنه من أمر الالتحاق بالكلية العسكرية: فمرده الى الموازنة بين مفاسده ومصالحه, ففي الالتحاق بهذا الكليات العسكرية مفاسد ومحاذير أخرى غير حلق اللحية, وفي الوقت ذاته يترتب عليه مصالح، منها أن في التحاق أهل الخير والاستقامة بهذه الكليات تقليل للشر والفساد فيها ومنها، وزيادة الخير والصلاح .. وهذا الأمر يحتاج إلى موازنة شرعية دقيقة، وأولى من يرجع إليه في ذلك هم أهل العلم الثقات المطلعون على حقائق الأمور في بلدك، فهم أعرف بحال بلدهم, وما يحتاجه, وما يصلحه.
وقد وُجِّه إلى الشيخ ابن عثيمين في دروس (شرح العقيدة السفارينية) هذا السؤال: في بعض البلاد التي يتسلط فيها أعداء الإسلام الملحدين ونحوهم، يحاولون إزالة من كان موجودًا في الجيش من المسلمين, فيفرضون عليهم أشياء محرمة, كحلق اللحية، فيكون الواحد منهم يريد أن يبقى في مكانه يحافظ على الإسلام, ويفعل هذا وقلبه مطمئن، فهل يجوز ذلك؟
فأجاب ـ رحمه الله ـ : هذه المسألة مشكلة، يعني مثلًا يقول هذا الفاسق: لازم تحلق لحيتك, وإلا تخرج من الجيش, فهذا الرجل يقول: إن خرجت من الجيش حلَّ محلي فاسق, أو مبتدعٌ خطر على الإسلام مع حلق اللحية، وإن حلقت اللحية وبقيت، فبذلك مصالح كثيرة، لو لم يكن منها إلا دفع هذا المبتدع الفاسق الشرير أن يكون في هذا المقام الخطير؛ لأنه أخطر ما يكون في الجيش, أنا أتردد فيها في الحقيقة، أحيانًا أقول: اخرج من الجيش، لا خير في جيشٍ ينبني على معصية الله, وأحيانًا أقول: هذا أمرٌ واقع، فيجب أن نقدِّر الأمور بواقعها, وأن نخفف بقدر الإمكان، فهذا الرجل إذا حلق لحيته معصية لا شك، وليست معصية بالإجماع أيضًا، لاحظوا هذه؛ لأن من العلماء من يقول: إن حلق اللحية مكروه, وليس بحرام! فيقول هذا الرجل: أنا إذا حلقت اللحية بقيت في مكاني؛ أمرت بمعروف، نهيت عن المنكر، وربما تكون الدولة فيما بعد لأهل الخير, لكن إذا تخلى أهل الخير جاءنا من يحلق اللحية, ومن يفسد الجيش بعقيدته أو أخلاقه, فما رأيكم في هذه المسألة؟ أنا متأرجح، أحيانًا أقول: لا تكن في الجيش, وأحيانًا أقول في فكري: كيف تمنعهم من الجيش, وهؤلاء رجالٌ طيبون، إذا منعتهم حلَّ محلهم من الفساق والفجار والمبتدعة, والذين هم خطر على الإسلام ... ـ ثم ذكر الشيخ بعض المحاذير الشرعية الموجودة في التجنيد كالموسيقى, وتحية العَلَم, واحتمال الأمر بقتال المسلمين، ثم قال ـ : فالحاصل أني أقول: يجب أن ننظر المصالح والمفاسد، أنا عندي لو بقي الجيش على استعمال الموسيقى, وحلق اللحية, وتحية العلم, وقتال المسلمين، لا شك أن هذه منكرات، لكن إذا تخلى أهل الخير عن هذا، من يأتي؟ يأتي أهل الشر الذين يفعلون هذا وزيادة، وقد سئل شيخ الإسلام عن شخص يريد أن يعمل في المكوس، وفي المكوس ظلم، فقال: "إن كان فيها من أجل تخفيف الظلم فلا بأس", انظر كيف نظر للمصلحة العامة, وهو سيمارس بعض الظلم, لكن يريد أن يخفف ... فهل نقول: إن هذا ذنبٌ مغتفر في جانب المصالح؛ لأن الشريعة الإسلامية شريعة عدل, ومقارنة بين المصالح والمفاسد, أو نقول: هم أمروا بمعصية الله, فلا طاعة لهم, ولا خير في جيشٍ ينبني على معصية الله .. اهـ. بتصرف يسير.
هذا مع ما في الدراسة في الجامعات المختلطة من جسيم الخطر، وعظيم الضرر، كما أشرنا إليه, وذكرنا حكمه في عدة فتاوى سابقة، منها الفتويين: 2523، 56103.
فالحاصل ـ كما أشرنا إليه من قبل ـ أن الموازنة بين هذين الخيارين تحتاج إلى علم راسخ بالشرع ومقاصده، وفقه دقيق للواقع وتشابكه، ولا يتحصل ذلك إلا في أهل العلم في بلدكم, فارجع إليهم, واستشرهم, واستخر ربك عز وجل.
والله أعلم.