السؤال
أقوم أحيانًا بالعزم على شيء مثل عدم الكذب ومجاهدة التسويف ونحوها، وأقول هذا العزم عهد بيني وبين الله دون أن أقسم، ثم بعد ذلك أخلف هذا العهد وأندم على ذلك وأستغفر الله، وبعد ذلك قلت: يا رب لا تؤاخذني بأي عهد عاهدتك عليه ـ فهل بما قلته رفعت عن نفسي هذه العهود؟ أم يلزمني شيء أقوم به؟ مع العلم أنني قلت هذا لخوفي من أن لا أوفي به فأعاقب عليه، وما زلت أجاهد نفسي الجهاد الشرعي للتخلص من الكذب والغيبة والنميمة ونحوها، لأن جهاد النفس فيها مطلوب وواجب؟ وعندما أسمع آية من القرآن تتحدث على أن وعود الله سيسأل عنها العباد، مثل: وكان عهد الله مسؤولا ـ وقصة الذي طلب من الله الخير ثم لما أعطاه الله ذلك تولى ولم يوف بوعده ونحوها، وأن من وفى نجى وأجر، ومن خلف هلك وعوقب أخاف خوفا شديدا، وأرجو من الله أن لا يؤاخذني بتلك العهود الكثيرة، وعندما أسمع هذه الآية: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ـ أشعر بتأنيب الضمير والندم، لأنني لم أوف بما عاهدت الله عليه، وأخشى أنني عندما أخلفت العهد قد حملت ذنبين ذنب المعصية بكذبي، وذنب إخلالي بالعهد.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن عاهد الله على ترك محرم فعليه بالوفاء به من باب البعد عن المعاصي والوفاء بالعهد، فقد حث الله عز وجل على الوفاء بالعهد في آيات كثيرة من محكم كتابه، فقال الله تعالى: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا {الإسراء:34}.
ومن عاهد الله على ترك معصية ففعلها، فالواجب عليه التوبة من وجهين: أحدهما فعل المعصية والثاني نقضه ما عاهد عليه الله، وعليه كفارة يمين عند جمع من أهل العلم، ما دام أضاف العهد إلى الله تعالى، كما لو قال: علي عهد الله ألا أفعل كذا، لقول الله تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {النحل:91}.
وانظر الفتوى رقم: 7375.
وأما قولك: يا رب لا تؤاخذني بأي عهد عاهدتك عليه ـ فلا يمكنك أن تسقط عن نفسك العهد بهذا إذا كنت قد تلفظت به، ولكن لا يلزمك إذا خالفت العهد إلا كفارة يمين واحدة، ثم ينحل العهد أو اليمين، إلا إذا كانت الصيغة تدل على التكرار. وينبغي هنا أن ننبه إلى أن شأن العهد عند الله عظيم، قال ابن قدامة في المغني: قَالَ أَحْمَدُ: الْعَهْدُ شَدِيدٌ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا {الإسراء: 34} وَيَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إذَا حَلَفَ بِالْعَهْدِ وَحَنِثَ، مَا اسْتَطَاعَ، وَعَائِشَةُ أَعْتَقَتْ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً، ثُمَّ تَبْكِي حَتَّى تَبُلَّ خِمَارَهَا، وَتَقُولُ: وَاعْهَدَاهُ ـ أي: عندما عاهدت الله ألا تكلم ابن الزبير ثم رجعت وكفرت. اهـ
وانظر في كفارة اليمين الفتوى رقم: 26595.
وأما إذا كان ما حصل منك هو عزم على ترك المعصية، دون أن تتلفظ بالعهد أو اليمين، فلا تلزمك كفارة، وعليك أن تجاهد نفسك على البعد عن المعصية امتثالا لأمر الله واتقاء لغضبه وسخطه.
والله أعلم.