السؤال
هل القول للأهل بأنني أتمنى ألا يكونوا أهلي في الآخرة يعتبر من الإساءة إليهم؟ فهم يحزنون عندما أقول ذلك, ولكنهم دائمًا يؤذونني, ويسيئون إلي, وهم بعيدون عن الدين، وإذا كنت أصبر عليهم وأعاملهم جيدًا فهذا فقط لوجه الله, ولكي أصاحبهم في الدنيا بالمعروف، ولأن لدي الأمل بأن يعوضني الله بأهل أستحقهم ويستحقونني في الآخرة، ولكنهم يظنون أنني أفعل ذلك لحبي لهم؟
الإجابــة
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قولك لهم: أتمنى ألا يكونوا أهلي ... من الإساءة، لا سيما إذا كان منهم الوالدان، جاء في فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب: قال الله جل وعلا في وصف أهل الجنة: وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ {الحج: 24} وقال تعالى آمراً لنا: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا {البقرة:83} وبيَّن سبحانه أن الشيطان يحرص على التحريض بين الناس، وأن الكلام الطيب هو الذي يفسد مخططات هذا الشيطان، فقال تعالى: وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ {الإسراء: 53} وقال جل وعلا حينما بعث موسى وهارون إلى فرعون الذي قال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى {النازعات: 24} والذي قال: مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي {القصص: 38} بعثهما الله سبحانه وتعالى آمرًا لهما: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى {طه: 44} وقد جاء أن أحد الوعاظ جاء ينصح أحد العصاة وقد شدد عليه، فقال له الفاسق: رويدًا - يا ابن أخي - فلست خيرًا من موسى وهارون, ولست بأفسد من فرعون، فإن الله قد ابتعث من هو خير منك إلى من هو شر مني وقال له: وقولا له قولًا لينًا لعله يتذكر أو يخشى ـ وبيَّن سبحانه وجوب الكلام الطيب مع الناس عامة، فقال تعالى: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا {البقرة: 83} وقال تعالى: وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً {النساء: 5} وقال تعالى: فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا {الإسراء: 28} ثم بين سبحانه أن للوالدين الحق الأول على الإنسان في مخاطبتهما بالكلام اللين والطيب، فقال تعالى: فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء: 22ـ 23}. انتهى.
ثم إنه لا معنى لقولك هذا، فإنهم إن دخلوا الجنة فلا أذية منهم، وفي الجنة يذهب الغل والأحقاد، وراجعي الفتويين رقم: 201436، ورقم: 7646,وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 64230.
ثم كيف قضيت لنفسك أنك في الجنة، وأنك تستحقين كل خير، وأنهم يستحقون الشر، ألا تخشين من التألي على الله، روى مسلم في صحيحه عن جندب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حدث أن رجلًا قال: والله, لا يغفر الله لفلان، وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى علي ألا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان، وأحبطت عملك.
وروى ابن حبان في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُبْصِرُ أَحَدُكُمُ الْقَذَاةَ فِي عَيْنِ أَخِيهِ, وَيَنْسَى الْجِذْعَ فِي عَيْنِهِ. صححه الألباني.
وأحسن من قال:
وتعذر نفسك إذا ما أسأت وغيرك بالعذر لا تعذر
وتبصر في العين منه القذى وفي عينك الجذع لا تبصر.
وكيف ترى في عين صاحبك القذى ويخفى قذى عينيك وهو عظيم.
فننصحك بالنظر إلى نفسك بعين التقصير في طاعة الله تعالى, وألا تيأسي من أهلك, فعسى أن يهديهم الله تعالى على يديك, وذلك خير لك من حمر النعم, وتذكري قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا {النساء:94}.
والله أعلم.