السؤال
يقول السائل: هل هناك كتاب يفصل درجات الإيمان التي جاءت في حديث: "الإيمان بضع وستون شعبة" وإن لم يكن، فهل تذكرونها تكرمًا؟
ولدي أيضًا تساؤل حول شرح حديث: "أكلت مغافير" فقد ذكرتم في الشرح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل مع أم المؤمنين حفصة، رغم أنني وجدته يطيل ويأكل العسل مع أم المؤمنين صفية - ولعلي أخطأت -
وكذلك وجدت في موقعكم مسند الربيع، رغم أن عليه ملاحظات من بعض أهل العلم - جزاكم الله خيرًا -.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أوعب الكتب المصنفة في تتبع شعب الإيمان هو كتاب الحافظ أبي بكر البيهقي: "شعب الإيمان "، وانظر نبذة عنه في الفتوى رقم: 168939.
وأما قصة شرب النبي صلى الله عليه وسلم: فقد جاء في الصحيحين روايتان، إحداهما: أنها كانت عند زينب بنت حجش - رضي الله عنها - والرواية الأخرى: أن شرب العسل كان عند حفصة - رضي الله عنها -.
فقد أخرج البخاري وسلم من حديث حجاج، عن ابن جريج، قال: زعم عطاء، أنه سمع عبيد بن عمير، يقول: سمعت عائشة - رضي الله عنها -: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش، ويشرب عندها عسلًا، فتواصيت أنا وحفصة: أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير، فدخل على إحداهما، فقالت له ذلك، فقال: «لا، بل شربت عسلًا عند زينب بنت جحش، ولن أعود له» فنزلت: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} [التحريم: 1]- إلى - {إن تتوبا إلى الله} [التحريم: 4] لعائشة وحفصة: {وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه} [التحريم: 3] لقوله: «بل شربت عسلا»
وأخرجا كذلك من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب العسل والحلواء، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه، فيدنو من إحداهن، فدخل على حفصة بنت عمر، فاحتبس أكثر ما كان يحتبس، فغرت، فسألت عن ذلك، فقيل لي: أهدت لها امرأة من قومها عكة من عسل، فسقت النبي صلى الله عليه وسلم منه شربة، فقلت: أما والله لنحتالن له، فقلت لسودة بنت زمعة: إنه سيدنو منك، فإذا دنا منك فقولي: أكلت مغافير، فإنه سيقول لك: لا، فقولي له: ما هذه الريح التي أجد منك، فإنه سيقول لك: سقتني حفصة شربة عسل، فقولي له: جرست نحله العرفط، وسأقول ذلك، وقولي أنت يا صفية ذاك، قالت: تقول سودة: فوالله ما هو إلا أن قام على الباب، فأردت أن أباديه بما أمرتني به فرقًا منك، فلما دنا منها قالت له سودة: يا رسول الله، أكلت مغافير؟ قال: «لا» قالت: فما هذه الريح التي أجد منك؟ قال: «سقتني حفصة شربة عسل» فقالت: جرست نحله العرفط، فلما دار إليّ قلت له نحو ذلك، فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك [ص:45]، فلما دار إلى حفصة قالت: يا رسول الله، ألا أسقيك منه؟ قال: «لا حاجة لي فيه» قالت: تقول سودة: والله لقد حرمناه، قلت لها: اسكتي.
وقد وردت روايتان أخريتان ضعيفتان في تسمية صاحبة القصة، جاء في فتح الباري لابن حجر: وأخرج ابن مردويه من طريق بن أبي مليكة، عن ابن عباس، أن شرب العسل كان عند سودة، وأن عائشة وحفصة هما اللتان تواطأتا على وفق ما في رواية عبيد بن عمير، ثم قال: والراجح أيضا أن صاحبة العسل زينب، لا سودة؛ لأن طريق عبيد بن عمير أثبت من طريق بن أبي مليكة بكثير، وإن اختلفا في صاحبة العسل، ثم قال: ووقع في تفسير السدي أن شرب العسل كان عند أم سلمة. أخرجه الطبري، وغيره، وهو مرجوح لإرساله وشذوذه .اهـ.
ولم نقف على رواية فيها أن شرب العسل كان عند صفية بنت حيي - رضي الله عنها -.
والأرجح أن شرب العسل كان عند زينب بنت جحش - رضي الله عنها -، جاء في شرح مسلم للنووي: قولها: (فقال: بل شربت عسلًا عند زينب بنت جحش) وفي الرواية التي بعدها أن شرب العسل كان عند حفصة، قال القاضي: ذكر مسلم في حديث حجاج عن ابن جريج أن التي شرب عندها العسل زينب، وأن المتظاهرتين عليه عائشة وحفصة، وكذلك ثبت في حديث عمر بن الخطاب، وابن عباس أن المتظاهرتين عائشة وحفصة، وذكر مسلم أيضًا من رواية أبي أسامة، عن هشام، أن حفصة هي التي شرب العسل عندها، وأن عائشة، وسودة، وصفية من اللواتي تظاهرن عليه، وقال: والأول أصح، قال النسائي: إسناد حديث حجاج صحيح جيد غاية، وقال الأصيلي: حديث حجاج أصح، وهو أولى بظاهر كتاب الله تعالى، وأكمل فائدة، يريد قوله تعالى: "وإن تظاهرا عليه" فهما اثنتان لا ثلاث، وأنهما عائشة وحفصة، كما قال فيه، وكما اعترف به عمر - رضي الله عنه - وقد انقلبت الأسماء على الراوي في الرواية الأخرى. اهـ. وممن مال إلى هذا الترجيح القرطبي في المفهم.
وأما ما يتعلق بمسند الربيع فهو مطعون فيه - كما ذكر الأخ السائل - قال الألباني: "مسند الربيع بن حبيب" الذي سماه الإباضية بـ "الجامع الصحيح "! وهو مشحون بالأحاديث المنكرة والباطلة، التي تفرد بها هذا "المسند" دون العشرات، بل المئات، بل الألوف من كتب السنة المطبوعة منها، والمخطوطة، والمشهور مؤلفوها بالعدالة، والثقة، والحفظ، بخلاف الربيع هذا! فإنه لا يعرف مطلقًا إلا في بعض كتب الإباضية المتأخرة التي بينها وبين الربيع قرون! ومع ذلك فليس فيها ترجمة عنه وافية، نقلًا عمن كانوا معاصرين له، أو قريبا من عصره من الحفاظ المشهورين! فهذا عالم الإباضية في القرن الرابع عشر عبد الله بن حميد السالمي (ت1332) لما شرح هذا "المسند" وقدم له مقدمة في سبع صفحات؛ ترجم في بعضها للربيع، وبالغ في الثناء عليه ما شاء له تعصبه لمذهبه؛ دون أن ينقل حرفًا واحدًا في توثيقه، والشهادة له بالحفظ؛ ولو عن أحد الإباضيين المتقدمين! لا شيء من ذلك البتة؛ ولذلك لم يرد له ذكر في شيء من كتب الرجال المعروفة لدينا، ولا لكتابه هذا "المسند" ذكر في شيء من كتب الحديث والتخاريج التي تعزو إلى كتب قديمة لا يزال الكثير منها في عالم المخطوطات، أو عالم الغيب! وكذلك لم يذكر هذا "المسند" في كتب المسانيد التي ذكرها الشيخ الكتاني في "الرسالة المستطرفة" - وهي أكثر من مئة -.. .إلى آخر كلامه في السلسلة الضعيفة .
وبإذن الله ستصل هذه الملاحظة إلى القائمين على مكتبة الموقع.
والله أعلم.