السؤال
ما صحة نسبة هذا القول إلى سيدنا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "ركب الملك من عقل بلا شهوة، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل، وركب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته, أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله, أصبح دون الحيوان"؟ وما صحة هذه المقولة نفسها؟ وهل معناها صحيح؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نجد ـ بعد البحث ـ في المصادر المتوفرة لدينا من نسب هذه المقولة لعلي ـ رضي الله عنه ـ إلا بعض المعاصرين، فقد نسبها له دون ذكر أي مصدر، وقد وجدنا بعض أهل العلم عزوها إلى كعب، كما نقل ذلك المطهر بن طاهر المقدسي في كتابه البدء والتاريخ، حيث قال: ورُوينا عن كعب أنّه قال: ركب الله في الملائكة العقل بلا شهوة، وفي البهائم الشهوة بلا عقل، وفي ابن آدم كليهما، فمن غلب عقله شهوتَه فهو خير من الملائكة، ومن غلب شهوتُه عقلَه، فهو شرٌّ من البهائم. انتهى.
وعزاها شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى إلى أبي بكر عبد العزيز ـ وهو المعروف بغلام الخلال ـ مع اختلاف يسير في بعض ألفاظه، كما سيأتي، ونقل هذه المقولة الماوردي في أدب الدنيا والدين، والثعالبي في التمثيل والمحاضرة، ولكنهما أبهما قائلها.
وأما معناها: فصحيح، وقد ذكر غير واحد من العلماء هذه المقالة مقررين لها، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: قوى الإنسان ثلاث: قوة العقل، وقوة الغضب، وقوة الشهوة، فأعلاها القوة العقلية التي يختص بها الإنسان دون سائر الدواب، وتشركه فيها الملائكة، كما قال أبو بكر عبد العزيز من أصحابنا، وغيره: خلق للملائكة عقول بلا شهوة، وخلق للبهائم شهوة بلا عقل، وخلق للإنسان عقل وشهوة، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فالبهائم خير منه ـ ثم القوة الغضبية التي فيها دفع المضرة، ثم القوة الشهوية التي فيها جلب المنفعة. انتهى.
وقال الإيجي في المواقف: إن الإنسان ركب تركيبًا بين الملك الذي له عقل بلا شهوة، والبهيمة التي لها شهوة بلا عقل، فبعقله له حظ من الملائكة، وبطبيعته له حظ من البهيمة، ثم أن من غلب طبيعته عقله، فهو شر من البهائم؛ لقوله تعالى: أولئك كالأنعام بل هم أضل ـ وقوله: إن شر الدواب عند الله.. الآية. انتهى.
والله أعلم.