السؤال
أنا بنت عندي 23 سنة، وتقدم لخطبتي شاب محترم، وملتزم، ولكن أهلي يرفضونه؛ لفرق المستوى الاجتماعي، ويقولون لي إنه طامع في، وسوف يستغلني، وأنا لم ولن أصدق هذا الكلام؛ لأنه شاب طيب، ومحترم، وأنا أعرفه جيدا.
أريد أن أعرف ما هو حقي في اختيار شريك حياتي؟ وهل إذا تزوجته بدون رضا أبي وأمي أكون قد أغضبتهم؟
وإذا تزوجته وأبي موافق، ولكن غير مقتنع، وأمي رافضة رفضا تاما. هل يعتبر هذا ذنبا علي؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز أن يمنع الولي المرأة من التزوج بكفئها؛ لأنه ظلم، وإضرار بها؛ وقد قال الله سبحانه وتعالى مخاطبا الأولياء: فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ {البقرة:232}.
قال ابن قدامة- رحمه الله- في المغني: فَإِنْ رَغِبَتْ فِي كُفْءٍ بِعَيْنِهِ, وَأَرَادَ تَزْوِيجَهَا لِغَيْرِهِ مِنْ أَكْفَائِهَا, وَامْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا مِنْ الَّذِي أَرَادَتْهُ, كَانَ عَاضِلا لَهَا. انتهى.
ومن حقك حينئذ رفع الأمر إلى القضاء الشرعي.
جاء في الموسوعة الفقهية: وَإِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ كَفَاءَةَ الْخَاطِبِ، وَأَنْكَرَهَا الْوَلِيُّ، رُفِعَ الأَمْرُ إِلَى الْقَاضِي، فَإِنْ ثَبَتَتْ كَفَاءَتُهُ أَلْزَمَهُ تَزْوِيجَهَا، فَإِنِ امْتَنَعَ زَوَّجَهَا الْقَاضِي بِهِ، وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ كَفَاءَتُهُ فَلا يُلْزِمُهُ تَزْوِيجَهَا بِهِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْمُقْرِي، وَالأَنْصَارِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله- في نور على الدرب: وإذا قدر أن المرأة خطبها كفؤٌ في دينه وخلقه، ووافقت، وامتنع الأب أو الأخ فإنه لا حق له في ذلك، وتنتقل الولاية إلى من بعدهم؛ لأنهم لم يقوموا بواجب الأمانة التي حملهم الله إياها. فإذا قدرت أن بنتاً خطبت من أبيها، وأبى أن يزوجها، والخاطب كفؤ، فلها أن تعدل من أبيها إلى أخيها إن كان صالحاً للولاية، أو إلى عمها، أو إلى أحدٍ من عصبتها. فإن لم يقوموا بالواجب في تزويجها، فلها أن ترفع الأمر إلى المحكمة من أجل أن تتولى المحكمة ذلك. انتهى.
وإذا جاز لك أن تتزوجي عن طريق القاضي الشرعي مع عدم رضا أبيك واقتناعه، فأولى بالجواز أن تتزوجي بولايته وموافقته مع عدم رضاه، وعدم اقتناعه. وإذا كان ذلك جائزا فلا تكونين في هذه الحالة مذنبة، ولا عاقة ﻷبيك، ولا لأمك من باب أولى؛ لأن الولاية الشرعية بيد الأب لا بيد الأم.
أما إذا كان الخاطب ليس بكفء لك، فلأبويك أن يمنعاك من التزويج به، ولا يعد ذلك عضلا.
قال ابن قدامة- رحمه الله- في المغني: فَأَمَّا إنْ طَلَبَتْ التَّزْوِيجَ بِغَيْرِ كُفْئِهَا, فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ, وَلا يَكُونُ عَاضِلا لَهَا بِهَذَا; لأَنَّهُ لَوْ زُوِّجَتْ مِنْ غَيْرِ كُفْئِهَا, كَانَ لَهُ فَسْخُ النِّكَاحِ, فَلأَنْ تُمْنَعَ مِنْهُ ابْتِدَاءً أَوْلَى. انتهى.
وفي هذه الحالة لا يجوز إغضابهما أو واحد منهما.
والراجح أن الكفاءة في النكاح معتبرة بالدين، والخلق فقط، وهو مذهب المالكية، وذلك لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].
ولقوله صلى الله عليه وسلم: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. رواه الترمذي من حديث أبي حاتم المزني، وهو الذي رجحه ابن القيم فقال في زاد المعاد: فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الكفاءة في الدين أصلاً وكمالاً، فلا تزوج مسلمة بكافر، ولا عفيفة بفاجر. ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمراً وراء ذلك. انتهى كلامه.
ويرى بعض الفقهاء أن ثمة أموراً أخرى لا بد من اعتبارها في الرجل منها: النسب، ومنها الحرفة، وحكم القاضي هو الذي يقضي باعتبار هذه الأمور في الكفاءة أو عدم اعتبارها؛ لأن حكمه ملزم.
ونصيحتنا لأبويك ألا يعتبروا هذه الفوارق الاجتماعية سببا يرد بها الخاطب، وماذا تغني المكانة الاجتماعية في مقابل الدين والخلق، وقد قال سبحانه: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ. {الحجرات:13}.
ونصيحتنا لك أن تجتهدي في إقناع والديك بقبول هذا الرجل، ويمكنك توسيط بعض الأقارب أو غيرهم من الصالحين، ممن لهم وجاهة عند والديك ويقبلون قولهم. واعلمي أن الأفضل في كثير من الحالات أن تقبل البنت بمن يختاره لها وليها؛ لأنه في الغالب أعلم وأكثر تجربة، وأقدر على اختيار الزوج المناسب، وأكثر شفقة عليها، وأشد حرصا على سعادتها.
وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتاوى: 183037، 79908، 104358، 76303، 201661.
والله أعلم.