السؤال
ما حكم هذه الوصية: والد زوجي كتب له أرضا باسمه. فهل من حق إخوته، ووالدته أن يرثوا فيها؟
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن كتابة الرجل شيئًا من أملاكه باسم أحد ورثته، لا يخلو من حالين:
أولهما: أن يكتبه باسمه، على أن يأخذه بعد مماته، فهذه تعتبر وصية لوارث، والوصية للوارث منهي عنها شرعًا؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ اَللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأهل السنن.
قال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَهُ وَارِثٌ، الْوَصِيَّةُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَلَا لِوَارِثِهِ بِشَيْءٍ، إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ. يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ ... اهــ.
وهذه الوصية ليست لازمة النفاذ، وإنما يتوقف نفاذها على بقية الورثة، فإن رضوا بإمضائها مضت، وإن لم يرضوا فلهم الحق في ردها، ويُقسم ما أوصى به (الأرض) بينهم القسمة الشرعية.
جاء في الموسوعة الفقهية: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْوَصِيَّةِ لِوَارِثٍ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْل الأْوَّل: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ ـ وَهُوَ الأْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ ـ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ تَنْعَقِدُ صَحِيحَةً، مَوْقُوفَةً عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ أَجَازُوهَا بَعْدَ وَفَاةِ الْمُوصِي نَفَذَتْ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهَا بَطَلَتْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَثَرٌ، وَإِنْ أَجَازَهَا الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ، نَفَذَتْ فِي حَقِّ مَنْ أَجَازَهَا، وَبَطَلَتْ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُجِزْ.
الْقَوْل الثَّانِي: ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الأْظْهَرِ، وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ بَاطِلَةٌ مُطْلَقًا وَإِنْ أَجَازَهَا سَائِرُ الْوَرَثَةِ، إِلاَّ أَنْ يُعْطُوهُ عَطِيَّةً مُبْتَدَأَةً. اهـ.
فعلى كلا القولين: إذا لم يرض الورثة بإمضائها، فإنها لا تمضي.
ثانيهما: أن يكتبه باسمه، على أنه هبة في حياته، ويحوزه الموهوب له في حياة الواهب، ويرفع الواهب يده عنه، فهذه تعتبر هبة قد تمت، وإذا مات الواهب لم تدخل في الميراث، واستبد بها الموهوب له.
وننبه إلى أنه لا يجوز للأب أن يهب شيئًا لأحد من أولاده الذكور أو الإناث، ولا يهب للآخرين منهم؛ لأن الأب مطالب بالعدل في عطيته لأولاده ذكورًا وإناثا؛ لحديث النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قال: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ (أم النعمان) لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ. قَالَ فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ. اهـ. متفق عليه. وفي رواية: فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني