السؤال
أنا تاجر سبيرات في بلاد يحكمها كفار على الرغم من أن المسلمين أكثر، وتوجد بهذه الدولة شركات الخمر وهي حكومية ولا أريد أن أبيع لهم فمثلا: إذا كان سعر الاسبير 100 جنيها، فإنني أجعلها 600 حتى لا يتم الشراء من عندي، ولكنهم في بعض الأحيان يشترون، فهل آخذ رأس مالي وأتصدق بالمكسب، مع أنني لم أزد الأسعار لنية الكسب، بل لإبعادهم عن الشراء مني؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالوسائل لها أحكام المقاصد، وما يوصل إلى الحرام فهو حرام، وقد نص العلماء على حرمة بيع العنب لمن يتخذه خمراً، لأن ذلك عون له على الإثم، والله تعالى يقول: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}.
كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 46195.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إذا أعان الرجل على معصية الله كان آثما، لأنه أعان على الإثم والعدوان، ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها وساقيها وشاربها وآكل ثمنها، وأكثر هؤلاء كالعاصر والحامل والساقي، إنما هم يعاونون على شربها، ولهذا ينهى عن بيع السلاح لمن يقاتل به قتالا محرما: كقتال المسلمين، والقتال في الفتنة. اهـ.
ولذلك، لم يجز للتاجر المسلم أن يتعامل مع شركات الخمور، لما في ذلك من إعانتهم على إثمهم، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يلعن شارب الخمر وحده، بل كما قال أنس رضي الله عنه: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له. رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني.
قال ابن تيمية: وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن عاصر الخمر ومعتصرها، ومعلوم أنه إنما يعصر عنبا فيصير عصيرا، ثم بعد ذلك قد يخمر، وقد لا يخمر، ولكن لما قصد بالاعتصار تصييره خمرا استحق اللعنة، وذلك إنما يكون على فعل محرم، فثبت أن عصير العنب لمن يتخذه خمرا محرم، فتكون الإجارة عليه باطلة والأجرة محرمة، وإذا كانت الإجارة على منفعته التي يعين بها غيره في شيء قصد به المعصية إجارة محرمة باطلة، فبيع نفس العنب، أو العصير لمن يتخذه خمرا أقرب إلى التحريم والبطلان... ثم في معنى هؤلاء كل بيع، أو إجارة، أو هبة، أو إعارة، تعين على معصية إذا ظهر القصد، وإن جاز أن يزول قصد المعصية. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: ذهب الجمهور إلى أن كل ما يقصد به الحرام، وكل تصرف يفضي إلى معصية فهو محرم فيمتنع بيع كل شيء علم أن المشتري قصد به أمرا لا يجوز. اهـ.
والمقصود أن السائل لا يجوز له أن يبيع لشركات الخمور أي شيء يحتاجون إليه في تصنيع الخمر أو تسويقها، ولا يكفيه مجرد رفع السعر لثنيهم عن الشراء، وراجع الفتوى رقم: 109500.
وإذا حصل البيع بالفعل وجبت التوبة من هذا الذنب، وأما ثمن قطع الغيار التي بعتها لشركة الخمر فكثير من العلماء على أنه لا يلزمك التخلص منه, وراجع في ذلك الفتوى رقم: 48675.
وإذا تصدق السائل بهذا الثمن كله أو بالربح فقط، فذلك أفضل، خروجا من الخلاف، وإبراءً للذمة، وتتميما للتوبة.
والله أعلم.