الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أنا فتاة عمري 25 سنة ولدي أخت متزوجة عمرها 35 سنة ـ طيبة جدا، وقدراتها الشخصية ضعيفة جدا، وأخ عمره 25 سنة ـ مريض بانفصام ذهاني واضطراب وجداني، وأخ آخر ـ 29 سنة ـ وهذ الأخير ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ ابتلانا الله به، وللأسف كذاب ويسب الدين ولا يصلي وكان عاقا لوالديه ـ رحمة الله عليهماـ وسرق مني أكثر من مرة أنا ووالدي وغيرنا... ونصب علي في البيع والشراء، وعندما توفي والدي ـ رحمة الله عليه ـ منذ سنة، بدأ في اصطناع المشكلات معي وذهب يسبني بأقذر الألفاظ وضربني وهددني بالقتل وكل ذلك لأن أهلي ـ أعمامي وعماتي وخالتي ـ قالوا إن علي أكون أنا الوصية على أخي المريض، لأنهم يعلمون حقيقة هذا الأخ، وفي نفس الوقت رفضوا جميعا أن يكون أحدهم وصيا عليه إلى أن انتهى الأمر بعدم جعل أي أحد وصيا عليه بعد ما علمنا من المعاشات أن حالته لا تستدعي وصيا، كما أنه قال بأنه سيقوم بإجراءات معاشنا ـ أنا وأخي المريض ـ ومرت الأيام والأسابيع... وأفهمني أن كل شيء على ما يرام وخلال أيام قليلة جدا سأستلم المعاش فشككت في الأمر وذهبت لأستعلم من المعاشات فكانت المفاجأة أنه لم يذهب إليهم إلا مرة واحدة لإنهاء إجراءات الحصول على مصاريف جنازة والدي رحمة الله عليه، الذي دعا عليه هذا الإنسان العاق عندما ذهب إلى العمرة بعدم العودة، وقد كان ولا حوة قوة إلا بالله...
ولأننا لا نثق فيه ولا في أخلاقه أردت أنا وأختي أن نسجل حقنا الشرعي في الشهر العقاري وإنهاء المشاع، فرفض ذلك وبدأ في الشجار معي ليلا ونهارا... ورغبنا ـ أنا وأختي ـ أن نبني في حصتنا، فرفض... وتكلم في عرضي أمام أهلي وقال لهم إنني على علاقة بشخص وأريد بيع نصيبي في البيت لأعطيه لهذا الشخص، فصدقوه ووقفوا جميعا أمامي وشتموني... وقالوا له إن البيت سيبقى على هذا الحال ـ تقسيم إيجار فقط ـ وهددني بعضهم إن رفعت قضية لأخذ حقي أنا وأختي بقتلي، ومنذ فترة انقطع الكلام معهم ومع هذا الأخ ومع خالاتي وبعض عماتي ووصل بي الحال إلى كرههم، فماذا لو توفاني الله على هذا الوضع؟ وهل سأحمل ذنب قطيعة الرحم؟ وما رأيكم فيما أنا فيه؟ وبماذا تنصحونني؟.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فليس من حق الأخ المذكور أن يمنعكم من تسجيل حقكم بالشهر العقاري ولا من تقسيم العقار لتتصرفوا في حصتكم كما ترغبون، وتجب قسمة العقار بطلب أحد الورثة إن تيسر تقسيمها بلا ضرر حسب الحصص، وإن حصل ضرر بيعت وقسم ثمنها، وينظر في ذلك الفتويان رقم: 35945، ورقم: 170765.

وليس له إكراهكم على خلاف ذلك، ولكم رفع قضيتكم وقضية تهديده إلى المحكمة لتتمكنوا من استيفاء حقكم في التركة ومنعه من إنفاذ تهديده ووضع حد لبغيه، وليس هذا من القطيعة، بل من إحقاق الحق وكفّ الأذى.

وأما الوصية: فلا يصلح الفاجر وصيا على أخيك لو كان قاصرا أو معاقا، ولا الكافر باتفاق أهل العلم، وتنظر شروط الوصي في الفتوى رقم: 130014.

وإذا لم يجعل الوالد وصيا للولد المعاق، فالسلطان يعين الوصي المناسب، لقول النّبيّ صَلَى اللّه عليه وسَلّم: السلطان ولي من لا ولي له.

وعلى أية حال، فإننا نوصيك بالصبر على خالاتك وعماتك وعلى الأخ المذكور وإن آذوك ، فإن الصبر على أذى الرحم لا سيما المحرم من خير الصبر ، لما في صحيح مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه: أن رجلاً قال يا رسول الله: إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. والمل والملة: الرماد الحار.

وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها.

واعلمي أن أذاهم لا يسقط وجوب صلة رحمهم خاصة وأنهم من محارم الأرحام، لكنه يسقط صورة الصلة التي تتسبب في أذيتك كالزيارة وتبقى الصور الأخرى كالسلام وتقديم العون عند الحاجة والتفقد لأحوالهم والدعاء لهم، لأن الضرر يزال فلو وصلت رحمك بما يعتبر صلة عرفا ولو بالسلام والسؤال عنهم والدعاء لهم فقد أديت واجب الصلة وبرئت من وزر القطيعة ـ إن شاء الله ـ قال الحافظ ابن حجر في الفتح: تكون صلة الرحم بالمال وبالعون على الحاجة وبدفع الضر وبطلاقة الوجه وبالدعاء، والمعنى الجامع إيصال ما أمكن من الخير ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة، وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة، فإن كانوا كفارا أو فجارا فمقاطعتهم في الله هي صلتهم بشرط بذل الجهد في وعظهم، ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريق المثلى .

وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 240067.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني