السؤال
تزوجت قبل سنة من مطلقة، وتسكن في بلد غير بلدي، وانتقلت هناك لبلدها، وعشنا مع بعض لمدة 3 أشهر تقريبا. بعدها سافرت لزيارة أهلي في بلدي، ثم جاءني اتصال من زوجتي أنها لا تريدني، وأنها تريد الطلاق، أو سوف تخلع نفسها. تفاجأت من هذا الاتصال، فقلت لها لن أطلقك. حاولت معها بكل الطرق، وبكل ما أستطيع فعله. انقطعت عنها لمدة شهر تقريباً، واتصلت بها، وأخبرتها أني سوف أعود. وفعلاً عدت لها، وسألتها: هل ما زلتِ تريدين الطلاق؟ فقالت نعم. مع العلم أني أحبها جداً، لكنها لا تريدني، ولم تكن مرتاحة معي. قلت لها: هل تستطيعين أن تخلعي نفسك، قالت: نعم أستطيع. قلت: فليكن، اذهبي واخلعي نفسك، أنا سأعود لبلدي، وحصل الأمر بالتراضي بيننا. وتأسفت مني، وسامحتها، والقلوب صافية بإذن الله.
والآن مر على الموضوع شهور، ولا أدري هل هي في ذمتي أم لا؟ هل أحاسب عليها؟ مع العلم أنها أكبر مني، وعمرها فوق ال 30 سنة، وعندها وظيفة، وبيت، وأهلها موجودون، وعندها ما يكفيها وزيادة، ولا تحتاج أي شيء. وقد أخبرتها بأن عليها إذا احتاجتني في يوم أن تتصل بي، ولم تتصل، ولم أسمع عنها أي خبر. لكن جاءني اتصال من زوج أختها، وأراد مني الرجوع لها، وحل الخلاف، وقال لي إنه لا يعرف شيئا سوى أنه يريد مني الرجوع لها، أو تطليقها. وهذا الكلام صادر من زوجته التي هي أخت زوجتي. قلت له: إذا أرادت مني زوجتي الرجوع لها فلتتصل بي، وإذا لم تحصل على الخلع، وتريد الطلاق، فلتتصل بي أيضاً. وأخبروها بذلك، ولم تتصل بي.
ماذا أفعل؟ أنا الآن لا أدري هل ما زالت على ذمتي أم لا؟ مع العلم أن زوجتي قوية، وأنا متأكد أنها لو أرادت شيئا لاتصلت بي. وأنا لم أتركتها إلا وهي راضية.
السؤال المهم بالنسبة لي وهو ما أريد له جوابا: هل أنا محاسب عليها أم لا؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمجرد قولك لزوجتك: "اذهبي واخلعي نفسك" لا يحصل به الخلع؛ لأنه يفتقر إلى الإيجاب والقبول.
قال البهوتي -رحمه الله- : (وَتُعْتَبِرُ الصِّيغَةُ مِنْهُمَا) أَيْ الْمُتَخَالِعَيْنِ (فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) أَيْ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صُوَرِ الْخُلْعِ (فَيَقُولُ: خَلَعْتُكِ، أَوْ فَسَخْتُ نِكَاحَكِ عَلَى كَذَا، أَوْ فَادَيْتُكِ عَلَى كَذَا، فَتَقُولُ) هِيَ (قَبِلْتُ، أَوْ رَضِيتُ) وَنَحْوِهِ (أَوْ تَسْأَلُهُ هِيَ فَتَقُولُ: اخْلَعْنِي، أَوْ طَلِّقْنِي عَلَى كَذَا، فَيَقُول: خَلَعْتُكِ وَنَحْوِهِ) مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَاتِ (أَوْ يَقُولُ الْأَجْنَبِيُّ: اخْلَعْهَا، أَوْ طَلِّقْهَا عَلَى أَلْفٍ وَنَحْوِهِ فَيُجِيبُ. كشاف القناع عن متن الإقناع.
فإن كان حصل بينكما إيجاب وقبول للخلع على عوض، أو حكم به القاضي الشرعي، فقد بانت منك زوجتك، ولا تملك رجعتها إلا أن تعقد عليها عقداً جديداً.
أما إذا لم تكن زوجتك أجابتك بصريح الخلع، أو كنايته، ولم يحكم به القاضي الشرعي، فهي في عصمتك، والواجب عليك أن تعاشرها بالمعروف، فتنفق عليها، وتوفر لها مسكناً مناسباً، وتعفّها على قدر طاقتك، وحاجتها، ولا ريب أنّ الرجل مسؤول عن زوجته؛ قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ {النساء:34}.
قال السعدي: قوامون عليهن بإلزامهن بحقوق الله تعالى، من المحافظة على فرائضه، وكفهن عن المفاسد،.. تفسير السعدي. وعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ........ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْؤؤولٌ عَنْهُمْ..." متفق عليه.
وأما المبيت عندها، فقد اختلف العلماء في وجوبه وقدره، فذهب بعضهم إلى عدم وجوبه، وبعضهم إلى وجوبه ليلة من كل أربع ليال.
قال ابن قدامة: إذا كانت له امرأة، لزمه المبيت عندها ليلة من كل أربع ليال، ما لم يكن عذر. المغني.
واختار بعضهم عدم تحديد المدة وتركها للاجتهاد.
قال المرداوي: وقال القاضي، وابن عقيل: يلزمه من البيتوتة ما يزول معه ضرر الوحشة، ويحصل منه الأنس المقصود بالزوجية بلا توقيت، فيجتهد الحاكم، قلت: وهو الصواب. الإنصاف.
وإذا رضيت المرأة بإسقاط حقها من النفقة، أو السكنى، أو المبيت فلا مانع من ذلك، ولا حرج عليك حينئذ.
والله أعلم.