الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يمكنني النجاة من الوساوس والعودة إلى ما كنت عليه؟

السؤال

أنا فتاة أميل عمومًا للحزن والخوف منذ صغري، وأصبت بوسواس الموت قبل سنتين إثر عارض صحي ألم بي، وأجريت عمليات، وكنت أحيانًا أرفض العملية من شدة الخوف، وسبب ذلك عدم الرضا من زوجي وأهلي، وأنا دائمًا أستسلم لكل شيء، ولا أستطيع أن أقاوم، وأنهزم بسهولة نفسيًا، وبدأت الوساوس القهرية معي في الدين منذ شهر تقريبًا، وهي التي أقضت مضجعي، وتقودني للجنون، وكنت في البداية رائعة أقول: هذا ابتلاء من الله، وسوف أنتصر في النهاية - بإذن الله - ولي أجر عظيم، وكدت أن أشفى منها تمامًا، ولكن لا زال في رأسي بعض الخواطر، فقال الشيطان: أنت تصدقيني فيها، وإلا لماذا ثبتت!؟ وقد خرجت من الإسلام - والعياذ بالله - فاستسلمت له، وكانت مصيدة خبيثة جدًّا جدًّا حيث انهرت وضعفت، ويئست، وبدأت المرحلة الأصعب، حيث بدأت أنهار أكثر، وبدأ يقول: أنت أصلًا لا تريدين العودة كما كنت، وأنت غير مقتنعة؛ حتى أني أصبحت أجد صعوبة في أن أطلب الهداية - والعياذ بالله - كأني صدقته، والخواطر والوساوس لا تحصى، وأحس بأني مسلوبة الإرادة والعقل، أنا - ولله الحمد - أصدق بالإسلام، والله، والرسول صلى الله عليه وسلم، والبعث، وكل الأمور، وأشعر أني لا أستطيع الخروج من هذا المأزق، فكيف لي أن أنجو، فقد طوقت من كل جهة، وعندما أسمع القرآن أو كلام المشايخ كأني أسمع مثل ذلك الكلام أول مرة، وكنت أكره الكفار، وعندما أراهم في الشارع أحمد الله على نعمة الإسلام، أما الآن فأبكي لأني لا أجد هذا في صدري، وعندما أسمع مقطعًا عن الجنة أخاف كثيرًا، وأحس أني ابتعدت كثيرًا فلم أعد أستوعب، كأني مسلم حديث الإسلام، أو شخص عربي غير مسلم فتح على قناة إسلامية، وسمع عن الجنة، والنار، والقبر، والعذاب، والخالق، والخلق، وغيرها للمرة الأولى، وهذا الشعور يؤلمني كثيرًا، مع العلم أني أشعر بآلام في رأسي، وانعدام الشهية، والخوف من النار، والقلق، ولا أنام إلا بصعوبة، وأهملت بيتي، وزوجي، وولدي، فهل قراءة القرآن بشكل مكثف ترفع عني هذه القيود؟ أرجو منكم ألا تجاملوني، فهل كل هذا مجرد وسواس؟ واطرحوا عليّ أسئلة حتى أعرف أين أنا؟ وهل لازلت على خير؟ وعندما تأتيني الفكرة أخاف، وأحس بألم في جسدي، فهل هذا يكفي بأني لا أصدقها؟ أعتقد أني أصبحت أخاف أن أصدق الأفكار، ومن شدة خوفي سببت الضرر لنفسي من حيث لا أشعر، وأنا خائفة، وأحس أني تائهة ضائعة، ولا أدري كيف أتخلص مما في صدري؟ فلو ذهب ما في صدري لارتحت، ولكن كيف أخرجها؟ أتمنى لو أن هناك أزرارًا ألمسها فيذهب كل ما بي، فهل يمكن في يوم أن أعود كما كنت؟
مع العلم أني أكتب هذا وكأن شيئًا يقول لي: ومن قال: إنك صادقة وتريدين النجاة!؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأنا في أمريكا حاليًا؛ ولذا لا يمكنني العلاج لأني أريد طبيبًا مسلمًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنا نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يمن عليك بالشفاء عاجلًا غير آجل، وأن يشرح صدرك، وينور قلبك، ويرزقك الراحة والطمأنينة، واعلمي أن ما أصابك يعد من الوسواس، وعلاجه يكون بصدق الالتجاء إلى الله تعالى، والتعوذ، والدعاء، والذكر، والإعراض الكلي عن الاسترسال مع الشيطان في شأنه، فكلما خطر بقلبك خواطر الوسوسة فتعوذي، واشتغلي بالذكر، والدعاء، وتلاوة القرآن، فقد قال الله تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل:62}.

ومما يندفع به الوسواس الاستغفار، فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشطيان: فإيعاد بالشر، وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك: فإيعاد بالخير، وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله، فليحمد الله، ومن وجد الأخرى، فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمر كم بالفحشاء). رواه الترمذي، وقال تعالى: ‎وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {الأعراف:200}، قال ابن كثير في تفسيره: فأما شيطان الجن فإنه لا حيلة فيه إذا وسوس إلا الاستعاذة بخالقه الذي سلطه عليك، فإذا استعذت بالله، والتجأت إليه كفه عنك ورد كيده. اهـ.

وقد سئل ابن حجر الهيتمي - رحمه الله - عن داء الوسوسة هل له دواء؟ فأجاب: له دواء نافع، وهو الإعراض عنها جملة كافية، وإن كان في النفس من التردد ما كان، فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرب ذلك الموفقون، وأما من أصغى إليها، وعمل بقضيتها، فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها، وأصغوا إليها وإلى شيطانها. انتهى.

وحاولي أن تجدي صحبة صالحة من السيدات الملتزمات بالدين على مذهب أهل السنة والجماعة لتتعاوني معهن على البر والتقوى، وتملئي فراغك بما يفيد، ويمكنك أن تراسلي قسم الاستشارات النفسية والطبية بموقعنا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني