السؤال
مهندس يعمل في شركة هندسية لتصميم المباني المختلفة – كالمساجد، والمدارس، والكباري، والأنفاق - وهذه أمور لا شيء فيها، فماذا لو كان المشروع المراد تصميمه مبنى لبنك ربوي، أو فندق يقدم في جزء منه الخمور، أو فيه صالة للرقص، أو قسم شرطة، ومعروف أن الشرطة ظالمة، وتعذب الناس في الأقسام والسجون؟ وإذا كان لا يجوز، فماذا لو أصر مدير العمل؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما المباني المؤسسة لأغراض محرمة - كالبنوك الربوية، وصالات الرقص، ونحوها - فلا تجوز الإعانة عليها بتصميم، أو بناء، أو غير ذلك.
وأما ما لم يكن مؤسسًا للظلم، ولا للحرام، ولا يغلب عليه ذلك، فلا حرج في تصميمه، وبنائه - كقسم الشرطة - فالمصلحة العامة داعية إليه لحفظ الأمن، ومتابعة المجرمين، وإن افترض وقوع الظلم أحيانًا فلا يمنع ذلك بناءه، وكذلك الفنادق المهيأة لراحة الناس، وإيواء الغرباء، ونحو ذلك مما يحتاجه الناس، وليست خاصة بالحرام، ولا يغلب عليها، وليس مقصودًا بها، فلا حرج في تصميمها، والإعانة عليها، بخلاف ما كان يغلب عليه الحرام، أو قصد به، فلا تجوز الإعانة عليه؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، وقد قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2}.
وروى ابن بطة: أن قيمًا لسعد بن أبي وقاص في أرض له أخبره عن عنب أنه لا يصلح زبيبًا، ولا يصلح أن يباع إلا لمن يعتصره ـ أي: يعصره خمرًا ـ فقال سعد: بئس الشيخ أنا إن بعت الخمر، وأمر بقلعه.
قال ابن قدامة في المغني: وهذا الحكم في كل ما يقصد به الحرام، كبيع السلاح لأهل الحرب، أو لقطاع الطريق، أو في الفتنة، وبيع الأمة للغناء، أو إجارتها كذلك، أو إجارة دار لبيع الخمر فيها، أو لتتخذ كنيسة، أو بيت نار، أو أشباه ذلك، فهو حرام، والعقد باطل. انتهى.
ولو أصر المدير على عمل ما لا يجوز، فلا طاعة له في ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. رواه أحمد، وصححه السيوطي، والهيتمي، والألباني.
ومن ثم، فعلى المهندس الامتناع عما هو محرم، أو فيه إعانة على الحرام، ولو طلب منه، حتى لو أصر مديره على ذلك، إلا أن يكون امتناعه من تنفيذ ذلك يترتب عليه لحوق ضرر به يعسر تحمله، كفصله من العمل إن كان محتاجًا إليه في كسب نفقته، أو نفقة من يعول، ولا يجد غيره، فيأثم من أجبره على ذلك العمل، ولا يأثم هو.
والله أعلم.