السؤال
ما الحكمة الإلهية من تكريم بني آدم على سائر الخلق؟ وهل التكريم على جميع الخلق أم أكثرهم؟ وإن كان على أكثرهم، فمن الذين هم أكرم من بني آدم -جزاكم الله خيرًا-؟
ما الحكمة الإلهية من تكريم بني آدم على سائر الخلق؟ وهل التكريم على جميع الخلق أم أكثرهم؟ وإن كان على أكثرهم، فمن الذين هم أكرم من بني آدم -جزاكم الله خيرًا-؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا صورًا من مظاهر التكريم في الفتويين رقم: 15326، ورقم: 74434.
وأما مسألة علة التكريم: فقد أشار ابن القيم إلى أن علة ذلك أن الله اصطفاهم ـ بني آدم ـ لنفسه، حيث قال في طريق الهجرتين:.. وأَلطف من هذا الوجه أن الله سبحانه خلق عباده المؤمنين، وخلق كل شيء لأجلهم، كما قال تعالى: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغ َ عَلَيْكُمْ نِعمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً { لقمان:20} وكرمهم وفضلهم على كثير ممن خلق فقال: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم وحملناهم فِي الْبِرِّ وَالْبَحْرِ وَرزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً {الإسراء: 70} وقال لصالحيهم وصفوتهم: إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآل إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِين {آل عمران: 33} وقال تعالى لموسى: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي {طه: 41} واتخذ منهم الخليلين، والخلة أعلى درجات المحبة، وقد جاء في بعض الآثار: يقول تعالى: ابن آدم خلقتك لنفسي، وخلقت كل شيء لك، فبحقي عليك لا تشتغل بما خلقته لك عما خلقتك له ـ وفي أثر آخر يقول تعالى: ابن آدم، خلقتك لنفسي فلا تلعب، وتكفلت برزقك فلا تتعب، ابن آدم، اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ـ فالله سبحانه خلق عباده له؛ ولهذا اشترى منهم أنفسهم، وهذا عقد لم يعقده مع خلق غيرهم فيما أخبر به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ليسلموا إليه النفوس التي خلقها له، وهذا الشراء دليل على أنها محبوبة له مصطفاة عنده، مرضية لديه، وقدر السلعة يعرف بجلالة قدر مشتريها، وبمقدار ثمنها، هذا إذا جهل قدرها في نفسها، فإذا عرف قدر السلعة، وعرف مشتريها، وعرف الثمن المبذول فيها علم شأْنها ومرتبتها في الوجود، فالسلعة أنت، والله المشتري، والثمن جنته والنظر إلى وجهه وسماع كلامه في دار الأمن والسلام، والله سبحانه لا يصطفي لنفسه إلا أعز الأشياء وأَشْرَفَهَا وأعظمها قيمة. انتهى.
وانظر الفتوى رقم: 74470.
فإن قيل، فلِم اصطفاه دون غيره؟ فالجواب: لله حكمة علمناها أو جهلناها، قال ابن تيمية -رحمه الله-: وله فيما خلقه حكمة بالغة، ونعمة سابغة، ورحمة عامة وخاصة، وهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون لا لمجرد قدرته وقهره، بل لكمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته، فإنه سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وقد أحسن كل شيء خلقه.
وأما مسألة التفضيل على الجميع أو الأكثر: فقد بيناها في الفتوى رقم: 50507.
قال ابن عاشور في تفسيره: وَلَا شَكَّ أَنَّ إِقْحَامَ لَفْظِ كَثِيرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا ـ مُرَاد مِنْهُ التَّقْيِيد، وَالِاحْتِرَازُ، وَالتَّعْلِيمُ الَّذِي لَا غُرُورَ فِيهِ، فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ ثَمَّ مَخْلُوقَاتٍ غَيْرَ مُفَضَّلٍ عَلَيْهَا بَنُو آدَمَ تَكُونُ مُسَاوِيَةً أَوْ أَفْضَلَ إِجْمَالًا أَوْ تَفْصِيلًا، وَتَبْيِينُهُ يُتَلَقَّى مِنَ الشَّرِيعَةِ فِيمَا بَيَّنَتْهُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا سَكَتَتْ فَلَا نَبْحَثُ عَنْهُ. انتهى.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني