السؤال
هل أأثم في الأشياء التي أفعلها وأنا لا أعرف إن كانت حراما أم حلالا؟
بعض المرات يختلط الأمر علي، فلا أميز بينها,عرفت أنه علينا أن نسأل أهل العلم، لكن لدي الكثير من الأسئلة، ولا أستطيع أن أسألكم عنها كلها. تركت كل المعاصي، لكن لا أعرف هل كل ما أفعله جيد.
والسؤال الثاني هو عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: والله إنه يسبب لي حزنا. هل يصبح فرضا علي إن كنت أظن أنه لا يوجد من يفعل ذلك. فهل علي شيء؟
أنا لا أستطيع أن أنكر على الكل، إني أفعل هذا مع المقربين. أنا لا أملك العلم الكافي في الدين، فأنا أتعلم بارك الله فيكم، وزداكم الله من خيره.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تتعلمي العلم الشرعي، فبالعلم تتبينين ما تأتين، وما تذرين، وما تأمرين به، وما تنهين عنه، ويتضح لك ما هو معصية، وما ليس كذلك، واسألي أهل العلم عن كل ما يشكل عليك، امتثالا لقوله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {الأنبياء:7}. ولا عليك أن تسألي عما تجهلين، وسنجيبك إن شاء الله كما أجبناك فيما سبق.
وأما من فعل محرما وهو جاهل لتحريمه، فإنه يختلف الحال بالنسبة للمحرم المفعول وبالنسبة للفاعل: فان كان الشيء مما علم تحريمه، وشاع بين الناس، فلا يرتفع الإثم إلا عمن كان مثله يجهل لكونه حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببلد يقل فيه العلم كأهل البادية، والأقليات الاسلامية. وأما ما كان يخفى مثله عادة، فإن الجهل بالتحريم يرفع الإثم, كما يدل له قوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا {الإسراء:15}. وكما في حديث المسيء صلاته، وحديث معاوية بن الحكم في كلامه في الصلاة جهلاً، وحديث بول الأعرابي في المسجد، وغير ذلك من النصوص الدالة على عذر الجاهل، ورفع المؤاخذة عنه.
إلا أن هذا مقيد عند أهل العلم بمن جهل أمراً خفياً لم ينتشر علمه وبيانه، أو كان جهله بسبب حداثة إسلامه، أو نشوئه في مكان لا يتوفر فيه العلم.
أما من عاش بين المسلمين في بلد ينتشر فيه العلم، وتمكن من التعلم، وسؤال العلماء، وارتكب معصية قد شاع وذاع أمر تحريمها، فهذا لا يقبل منه دعوى الجهل، فهو آثم لتفريطه في أمر التعلم، والقاعدة أن الإثم لا يبرر الإثم.
فقد جاء في الموسوعة الفقهية: الأصل بالنسبة للجاهل: أنه لا يجوز له أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله فيه، فمن باع وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله في البيع، ومن آجر وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله في الإجارة، ومن صلى وجب عليه أن يتعلم حكم الله في هذه الصلاة، وهكذا في كل ما يريد الإقدام عليه؛ لقوله تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ. فلا يجوز الشروع في شيء حتى يعلم حكمه، فيكون طلب العلم واجباً في كل مسألة، وترك التعلم معصية يؤاخذ بها. اهـ
وقال ابن عثيمين: الجاهل معذور بما يقوله، أو يفعله مما يكون كفراً، كما يكون معذوراً بما يقوله، أو يفعله مما يكون فسقاً، وذلك بالأدلة من الكتاب، والسنة والاعتبار، وأقوال أهل العلم. اهـ. من مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين.
وقال النووي في المجموع: إذا أكل الصائم، أو شرب، أو جامع جاهلاً بتحريمه -فإن كان قريب عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة بحيث يخفى عليه كونه مفطراً- لم يفطر؛ لأنه لا يأثم، فأشبه الناسي الذي ثبت فيه النص، وإن كان مخالطاً للمسلمين بحيث لا يخفى عليه تحريمه، أفطر؛ لأنه مقصر. انتهى.
وقال السيوطي: كل من جهل تحريم شيء مما يشترك فيه غالب الناس، لم يقبل منه دعوى الجهل، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة يخفى فيها مثل ذلك، كتحريم الزنى، والقتل، والسرقة، والخمر، والكلام في الصلاة، والأكل في الصوم. اهـ.
وأما النهي عن المنكر، فهو فرض كفاية على المسلم بحسب قدرته, ولا يسقطه عدم كونك عالمة ما دمت تثقين بحرمة ما أنكرته, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
واختلف هل يسقط وجوبه ويبقى مستحبا عند ظنك عدم قبول الناس أم لا. وقد قدمنا بسط الكلام على ذلك بالفتويين: 180123/ 214936 ، وراجعي كذلك الفتوى رقم: 192151.
والله أعلم.