الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم حلق اللحية استجابة لأمر الوالدين وتفاديا لغضبهما

السؤال

هل يجوز حلق اللحية من أجل تفادي غضب الوالد - مع أني أعلم أنه لا يجوز - لكن كلما نمت لحيتي، يقسم والدي علي لحلقها، وأحيانا يصل الأمر إلى الضرب، مع العلم أني غير مبال بالضرب، ولكن ما يخيفني أنهما ينامان (أمي وأبي) غير راضيين عني، ويقولان ادعو الله ما شئت، لن يستجاب لك. ( ويقولان أتتركنا غاضبين عليك من أجل لحيتك! أي إيمان هذا! اذهب أنت عاق لوالديك، ولله) وأحيانا لا يسمحان لي بالخروج لأصلي في المسجد بسببها.
هل أكون قد أغضبت ربي في هذا الوقت؟؟! مع العلم أني عندما أحلقها لما أشعر به من ذنب، أجدهما قد تحولا، وأصبحت لديهما الابن البار.
هل ما أفعله حلال؟ أم الأفضل أن أجاهد نفسي؟ أم لا يجوز حلقها حتى وإن كانا في هذه الحالة من الغضب؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد وجه سؤال في موضوع سؤالك هذا إلى اللجنة الدائمة للإفتاء.

فجاء في جوابها: حلق اللحية حرام، وإعفاؤها واجب كما عرفت. وطاعة الخالق مقدمة على طاعة المخلوق ولو كان أقرب قريب، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإنما تكون طاعة المخلوق في المعروف فقط، وما ذكرته عن والديك من الزعل، والغضب من إعفائك اللحية إنما هو بدافع العاطفة، والخوف عليك مما أصيب به غيرك من الأحداث. ولكن تلك الإصابات إنما كانت في الغالب من الإثارة، والخوض في الفتن لا من أجل إعفاء اللحية فقط، ولذلك تجد الإصابات أخذت في طريقها جماعة ممن يحلقون لحاهم، فعليك أن تثبت على الحق، وتستمر في إعفاء لحيتك طاعة لله وإرضاء له، ولو غضب المخلوق، وأن تجتنب موارد الإثارة والفتن، وتتوكل على الله، وترجوه أن يجعل لك مخرجا من كل ضيق؛ قال الله تعالى: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} وقال: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا. ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا }. ونوصيك ببر الوالدين، والاعتذار إليهما بالرفق، والأسلوب الحسن. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في جواب سؤال مشابه: لا شك أن رضا الله عز وجل مقدمٌ على رضا غيره، وطاعة الله سبحانه وتعالى مقدمةٌ على طاعة غيره، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولهذا قال الله تعالى في حق الوالدين مخاطباً الولد: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً}. ففي هذه الآية دليل على أنه لا يجوز للمرء أن يطيع والديه في معصية الله سبحانه وتعالى، فأنت حين هداك الله ـ وأسأل الله لي ولك التثبيت على هدايته ـ حين هداك الله إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية ووجدت من والديك مضايقة، فإني أنصحك أن تصبر وتحتسب على هذه المضايقة، وتستمر في اتباع شريعة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، ولو غضب لذلك والداك. اهـ.

وراجع للفائدة الفتوى رقم: 52814.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني