السؤال
ما حكم إنكار المنكر إذا كان مرتكب المنكر سيسب الشخص الذي أنكر المنكر في دينه؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية, إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين, وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر، ولا خوف, كذا قال النووي في شرح مسلم.
أما إذا كان هناك خوف معتبر، من قتل، أو ضرب، أو إهانة، فنرجو للخائف أن يكون معذورًا، ولا يجب عليه الإنكار باليد، ولا باللسان، بل يكتفي بالقلب، فقد روى أحمد، وابن ماجه، وصححه البوصيري، والألباني، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله ليسأل العبد يوم القيامة حتى يقول: ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره؟ فإذا لقن الله عبدًا حجته قال: رب، رجوتك، وفرقت من الناس.
وجاء في شرح النووي على مسلم: والنصيحة لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه، ويطاع أمره، وأمن على نفسه المكروه، فإن خشي على نفسه أذى فهو في سعة. انتهى.
وقال المناوي: إن لم يستطع الإنكار بيده بأن ظن لحوق ضرر به (فبلسانه) أي بالقول كاستغاثة، أو توبيخ، أو إغلاظ بشرطه (فإن لم يستطع) ذلك بلسانه لوجود مانع كخوف فتنة، أو خوف على نفس، أو عضو، أو مال (فبقلبه) ينكره وجوبًا بأن يكرهه به ويعزم أنه لو قدر فعل. اهـ.
وأما مجرد السب فقد نص بعض أهل العلم على أنه ليس بعذر، قال ابن رجب: فإن خاف السب، أو سماع الكلام السيئ، لم يسقط عنه الإنكار بذلك، نص عليه الإمام أحمد، وإن احتمل الأذى، وقوي عليه، فهو أفضل، نص عليه أحمد أيضًا، وقيل له: أليس قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس للمؤمن أن يذل نفسه» أن يعرضها من البلاء ما لا طاقة له به، قال: ليس هذا من ذلك...اهـ
وجاء في الآداب الشرعية لابن مفلح: الأمر بالمعروف - وهو كل ما أمر به شرعًا - والنهي عن المنكر - وهو كل ما ينهى عنه شرعًا - فرض عين على من علمه جزمًا, وشاهده, وعرف ما ينكر, ولم يخف سوطًا, ولا عصا, ولا أذى, زاد في الرعاية الكبرى: يزيد على المنكر، أو يساويه, ولا فتنة في نفسه, أو ماله, أو حرمته, أو أهله، وأطلق القاضي وغيره سقوطه بخوف الضرب, والحبس, وأخذ المال، وإنه ظاهر, نقل ابن هانئ في إسقاطه بالعصا خلافًا للمعتزلة, وأبي بكر بن الباقلاني، وأسقطه القاضي أيضًا بأخذ المال اليسير, ... قال ابن الجوزي: فأما السب, والشتم فليس بعذر في السكوت؛ لأن الآمر بالمعروف يلقى ذلك في الغالب، وظاهر كلام غيره أنه عذر لأنه أذى، ولهذا يكون تأديبًا وتعزيرًا، وقد قال له أبو داود: ويشتم, قال: يحتمل من يريد أن يأمر وينهى لا يريد أن ينتصر بعد ذلك. اهـ
ولكنه اختلف هل يلزم الإنكار إذا كنت تعلم عدم قبول صاحب المنكر النصح ونهيه أم إنه يستحب، ولا يجب، قال ابن رجب: وقد حكى القاضي أبو يعلى روايتين عن أحمد في وجوب إنكار المنكر على من يعلم أنه لا يقبل منه، وصح القول بوجوبه، وهذا قول أكثر العلماء، وقد قيل لبعض السلف في هذا، فقال: يكون لك معذرة، وهذا كما أخبر الله عن الذين أنكروا على المعتدين في السبت أنهم قالوا لمن قال لهم: أتعظون قومًا الله مهلكهم أو معذبهم عذابًا شديدًا * قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون [الأعراف: 164]. اهـ.
وقال النووي في شرح مسلم : ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله؛ فإن الذكرى تنفع المؤمنين، وقد قدمنا أن الذي عليه الأمر والنهي لا القبول. اهـ.
وراجع الفتوى رقم: 180123، والفتوى رقم: 180067.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني